أحدث الأخبار
الجمعة 29 آذار/مارس 2024
ارفعْ مسدسَك عن أنفي، في يدي سوط نيتشه!!
بقلم :  فاطمة ناعوت  ... 19.05.2014

سألني الشاعرُ الإنجليزيّ: هل تعاني المرأةُ المصرية المبدعة؟
قلتُ: نعم.
قال: من تحرّشات الرجال بها؟
قلتُ: الموضوع أعقدُ من هذا. المرأة المصريةُ تعاني أولا بوصفها إنسانًا في مجتمع يفقدُ فيه الإنسانُ كلَّ يوم درجةً من آدميته. ثم هي تعاني- شأنَ كلِّ كاتبٍ- من أجل اصطياد الكلمة والفكرة والصورة. ثم هي تعاني كامرأة في مجتمعات بطريركية؛ شأنها في ذلك شأنَ كلِّ النساء في العالم الذكوري الراهن. ثم هي تعاني كونها امرأةً تفكر؛ فالمرأةُ كائنٌ ناقصُ الأهلية، ومن ثم يتحسّس الرجلُ مسدسَه كلما أمسكتِ المرأةُ قلمًا لتكتب.
قال: كيف؟
قلتُ: أولا يتم التعاملُ مع كتاباتها باستخفاف؛ كما تعاملنا (الخاطئ) مع الأطفال وغير ذوي الأهلية. ثم إن ثَبُتَ تفوقُها؛ نبدأ في البحث عن "الرجل" الذي يكتب لها(!). لأن التفوق منذورٌ للرجل منذ الأزل. فإن لم نجد ذلك الرجل، وتأكدنا- للأسف- من تفوقها، نشرعُ في رشقها بالحجارة. لأن تَفوّقَ المرأة يعتبره الرجلُ (المريضُ) انتقاصًا من ذكورته، في حين يفرح الرجلُ (السويّ) بذاك التفوق، ويشيد به.
سألني: هل توجد تحرّشات من قِبل "مثقفين" (بين قوسين) تجاه كاتبات؟
قلتُ: وماذا عن تحرّش الرجل بوجه عام، بالمرأة بوجه عام؟ كأنك يا روبرت قد قصرتَ الأمرَ على الكتّاب وحسب! لا يجوز أن نجمع كل المثقفين في سلة واحدة هكذا. بالعالمِ بعضُ القبح الذي يدهشنا فنحاربه، مثلما هو مليءٌ بالجمال الذي يُدهشنا فنستلهمُه ونكتب. لكن بوجه عام: نعم، ينزعج المثقف (المأزوم) من تفوق المرأة المثقفة.
قال: لكنني لاحظتُ أن بعض الكاتبات يرفضن أن تظهر صورُهن كي لا يتحرش بهن الرجالُ!
قلتُ: المرأةُ مستهدَفةٌ من الرجل منذ بدء الخليقة؛ قبل الكتابة وقبل الطباعة وقبل الصحف وقبل الانترنت. فهل عدمتِ المرأةُ، على مدى التاريخ، وسيلتَها الخاصة في ردع مَن يحتاجُ ردعًا؟ هل حَجْبُ المرأةِ وجهَها هو الحل؟ كأننا نجابه خطأ المخطئين بخطأ أفدح، هو الخجل من وجوهنا والتخفي وراء جدر!
المرأةُ العادية (التي لا هي كاتبة ولا مبدعة)؛ ك: الطبيبة، المهندسة، الموظفة، المحامية، والمرأة البسيطة: القروية، الشعبية، العاملة، الخ، تعرف جيدًا كيف تردُّ عنها سخافاتِ الرجل وتحرشه بها في السوق والعمل والشارع والنادي؟ للمرأة أساليبُها في تأديب مَن يعوزه الأدب. والصَّبيةُ الصغيرة تعرف كيف تفعل ذلك، فهل يصعب أمرٌ كهذا على كاتبة ومبدعة؟ لماذا نعالج قبحَ الوجود بقبحٍ الغياب والتخفي؟
الرجلُ "المأزوم" فقط، هو الذي يُقزّم المرأةَ ويختصرها في فستان وجديلة شعر ووجه جميل؟! يتساءلُ النقّادُ: لماذا لا توجد لدينا كاتباتٌ في حجم كاتبات الغرب؟ هل ترون السؤال ذكيًّّا وعادلا أم عبثيًّا وينم عن عماءِ؟ أعطونا مجتمعاتٍ صحيةً، ونظرةً راقيةً للمرأة، وحريةً فكرية وإنسانية، للرجل وللمرأة معًا، أعطِكم كاتبات عربيات أعلى قامةً من فرجينيا وولف وآليس ووكر وإيميلي ديكنسون.
المرأة الكاتبةُ تحارب في جبهات عدة، بينما الكاتبُ “الذكر” لا يحارب إلا في ساحة الكتابة. على المرأة أولا أن تُقنع أباها وأخاها وأمها ثم زوجها وابنها أن لديها ما تقول. فإن سمحوا لها، عليها أن تقنع المجتمع أن عقلها غيرُ ناقص، وأن بوسعها أن تبدع. ثم بعدئذ، وهو الأهم، عليها أن تبدع بحق (وهو العراك الوحيد “النبيل”، والذي تتشارك فيه مع الرجل). ثم تأتي المعركة "غير النبيلة"، تلك التي بوسع المجتمع، لو كان راقيًا، أن يوفر على المرأة خوضها. هي معركة المبدعة اليومية لتقنع القراء والأدباء أن كتابتها هي محضُ عمل فنيّ وليس سيرتها الذاتية. فكثيرةٌ هي العيونُ التي “تفتش” بين السطور عن أسرار الكاتبة الخاصة! كأنما يعوزها الخيالُ لتبدع! هل نظر الكتّابُ الرجالُ لكل هذه الحروب التي تخوضها المرأةُ المبدعة قبلما يحاسبونها ويرفعون السيوف على تجربتها إن قدمت شيئا مائزا؟
علمتنا الرياضيات أن المقارنة لا تجوز إلا إذا ثبتنا كلَّ العوامل ووجوه المقارنة، إلا وجهًا واحدًا. فهل المتاحُ للرجل الكاتب، متاحٌ للمرأة الكاتبة حتى نقارن النتائج بالنتائج؟
حدّثَنا التاريخُ أن “جوديث” شقيقة “شكسبير” كانت تمتلك موهبةً أكبر من أخيها، لكنها لم تنل ما نال من تعليم وترحيب بالوجود، ثم ترحيب بالكتابة، مثلما نال هو، فغدا هو مَن هو، وظلت هي خلف جُدُر الظلام لا أحد ثمة يعرف عنها شيئًا. وفرجينيا وولف العظيمة، خاضتِ المرَّ ولم يُسمح لها بالذهاب إلى المدرسة مثل أشقائها البنين، فعلّمتْ نفسَها بنفسها وغدت مَن غدت. وهذه سيمون دو بوفوار تقول: المرأةُ لا تولد امرأةً بل إنسانٌ، ثم يجعلها المجتمعُ امرأة.
سألني: بوصفك كاتبةً في مجتمع بطريركيّ كيف حللتِ المعادلة؟
قلت: تعلّمتُ أن أترك (نوعي) في بيتي وأخرج للمجتمع "إنسانًا" وحسب. عقلٌ يتحاور مع عقول. عقلي هو الذي يُنصتُ إلى الوجود، هو الذي يكتب وهو الذي يتلقى النقدَ الحقيقيّ فيتحاور معه، وهو الذي يتلقى كلامَ المجاملة الأجوفَ فيضرب عنه صفحًا، وهو الذي يواجه ما تسمونه “تحرشًا”، فيُخرج سوطًا ويبطش.
ليس نيتشه وحده الذي يمتلك سوطًا لامرأته، أنا- وكل امرأة- لها سوطها الخاص الذي تؤدّبُ به مَن يعوزه الأدب.

المصدر : مركز مساواة المراه
1