أحدث الأخبار
الخميس 28 آذار/مارس 2024
بين تلك الخيم ألاف الحكايا!!
بقلم : دارين هانسن  ... 02.04.2014

معاناة أخرى تواجهها النساء في المخيمات، لم يكن لقسوة الحياة من قبل وانقطاع الخبز والماء والكهرباء أي معنى، حيث كان يمكن لهن أن يغلقن الباب وينتظرن عودة الكهرباء والماء... أم فوزي وغيرها من النساء في مخيمات البقاع لم تكسرهنَ الحياة فكسرنَ الذل وبدأن بالحفر بأظافرهن على الصخور ونقش المستحيل بعدما تشردن بسبب الحرب والدمار الذي حل بحمص
ليس للمدى معنى أو للخفر البوليسي أي رهبة بعد اليوم، فقط أوراق الشجر تتساقط معلنة انتهاء هدنة وبدء أخرى أسوأ من سابقاتها، والسير يمشي بعكس التيار يدغدغ عالمنا بقنابل موقوتة بصوان لا رحمة له بعجز يولد فينا قوة الغجر بتحد ظروف الطبيعة
يسعدني أن أمشي بينهن و أسمع ألاف الروايات وأنا الضعيفة التي أتت من مسكنها في الغرب لتبحث عن أم بديلة بعدما قطعت الحرب الطرق بينها وبين امها فوجدت الألاف
غيرت توقيت العودة لبيروت حين لمعت عيناها من بعيد كانت تصرخ كالبركان وتحتضن بطفليها كنعجة غريبة ، سألت علي أين خيمتها وانتظرتها أمام الخيمة في المخيم البلاستيكي كما أراه بعض البلاستيك والقماش المهترىء يقف متهالكاَ على بعض الاخشاب يجمع في داخله حكايا نساء بابا عمر والبياضة وتلبيسة
يجمع بين خفاياه كبرياء النساء وعهر عروبتنا الذي أصبح جلياً
حيتني بحرارة لم أتوقعها ودخلنا وضعت القهوة على النار وهي تلعن الشرف العربي والمنظمات الدولية تلعن بشار والمعارضة فيسقط الفنجان من يدها وينكسر
تضحك وتضحك تجمع بقايا الزجاج بيد دامية وتخبرني لا عليك لربما ذهب الفنجان فدى شخص كان سيموت بعد لحظة في بابا عمر
شربنا القهوة لم تسألني من أنا فقط قالت لي رأيتك هنا من قبل سألتها عن مجيئها حياتها
كيف وصلت وأين كانت
ضحكت وضحكت وهي تلف ابنها بشرشف كتب عليه وبالأحرف الانكليزية الكبيرة علامة الأمم المتحدة
" حين قصفت بابا عمر انتقلنا إلى البياضة بعد عدة مرات نجوت فيها من الموت ولم أقتنع بمغادرة المنزل، لكن المرة الأخيرة كان ابني بين يدي، لم تصبني الشظايا ولكنها أصابته
تنادي عليه وهي تمسح العرق من جبينها بطرف العباءة تشرب قليلاَ من القهوة وتضيف سكر أكثر
" أعرف أن القهوة حلوة جدا لكن السكر في بعض الأحيان يؤدي إلى التخمة فبدل تناول وجبتين أتناول وجبة واحدة "
هزت المدفأة بيدها وأحضرت بوط رجالي قديم وضعته في المدفأة ، سألتها إن كان بوط زوجها لم تنظر إلي وهي تجيب " زوجي محاصر في حمص لا أعرف أين ولا أسمع أخباره منذ سنة ونصف ،أحياناَ أسمع بعض الإشاعات بأنه توفي وأخرى تكذب الخبر، لكن لا وقت للبكاء هنا لا وقت للتفكير بالغائب ونسيان طفلاي"
تركتها تتفقد المدفأة وأنا أنظر حولي رأيت رسمة قديمة رسمت بالفحم ليست واضحة بين تفاصيلها مأساة وغموض لم أشأ أن أسأل عنها لكنها وهي ترد على شكاوي الجارة التي بدأت تصرخ من الخيمة الأخرى بسبب رائحة البوط، تخبرها بأن لا حطب لديها وبأنها لن تترك طفلاها في البرد بسبب انزعاج الجارة من رائحة الأبواط، أعطتني طفلها وخرجت بسرعة نظرت في عينيه فرأيت ضياعي ووحدتي وخوفي
لم أسمع صوتها ظننتها ستوبخ الجارة لكنها عادت بكيس نايلون مبلل وضعته في المدفأة وهي تقول
" النايلون يسرع في إشعال النار، هذه الصورة رسمتها عندما وصلت إلى أول مكان في لبنان، لم يكن مخيم وإنما قطعة أرض تبرع صاحبها لبعض العيل السورية النازحة بقطع قماش كي تنصب خيم فوق أرضه، في البداية لم نعرف أنه يقوم بذلك كي يحصل على أموال من الأمم المتحدة بسببنا والمصيبة الأكبر لم نعرف بأن عدم عبور الطريق إلى غرفة نومه والإستلقاء فوق سريره سيحرمنا تلك الشقفة اللعينة من القماش المنصوبة فوق قطعة الأرض تلك، يعرف بأني أسكن لوحدي ، في الليل يحلو له التجول وسؤالنا عن حالنا، خيمتي ليست لها باب حقيقي مجرد قطعة قماش مخزقة، دخل بسرعة عرض عرضه بسرعة و بدأت أولول جارتي في الخيمة المقابلة مباشرة حضرت مرعوبة ، أخبرتها فقط بأنني رأيت عقرب قرب رقبة ابني فذهبت و أخبرته بأن الحمصيات لا تؤكل لحومهن! فبسكينه التي يحملها خزق طرف الخيمة وذهب مهدداَ وتركني لفراغي وخوفي. لم انم تلك الليلة وشغلت نفسي برسم هذا الشيء اللعين كي تبقى عيني ساهرة حتى أشرق الفجر حملت أولادي ومشيت"
تفقدت تلك الغرفة القماشية المظلمة الموحشة الباردة في المنتصف صوبيا خشب مهترئة فيها ثقب فتبلل السجادة الوحيدة التي تملكها والتي حصلت عليها من إمرأة لبنانية نظفت بيتها في الأسبوع الماضي
في الزاوية اليمنى غاز سفاري وبعض الكؤوس وإبريق شاي وطنجرة وفي الزاوية اليسرى بقعة إسمنتية لا تتعدى النصف متر فيها برميل مليء بالماء وبجانبه بيضون ماء أخر للشرب والباقي للدوش وغسل الملابس
أطعمت ابنها بسرعة حملته وأمسكت بيد الأخر وأخبرتني بأنه عليها الذهاب لتنظيف الشارع المقابل لبيت صاحبة الأرض حيث مسكن الأغنام
مشينا معاَ وفي الطريق لم تكلمني فقط غنت لي
كلمة حلوة وكلمتين حلوة يا بلدي ....
حين وصلنا مسكت بيدي أخبرتني بأن القهوة الصباحية غداَ في منزلها حيث ستقرأ لي الفنجان هذه المرة
حواجز الامن في ذاك اليوم جعلت الطريق بين البقاع وبيروت يستغرق أكثر من ثلاث ساعات
أعطتني المجال الكافي لأدندن الأغنية نفسها وأذكر أمي وأفكر ماذا ينتظرني فيما وراء الفنجان في الغد!!

المصدر : مركز مساواة المراه
1