أحدث الأخبار
الخميس 28 آذار/مارس 2024
المرأة في السينما المصرية: حريم سلطان بورنجا العظمى!!
بقلم : عائشة خليل  ... 04.11.2012

للسينما المصرية باع طويل في تصوير النساء منذ بداياتها في عشرينيات القرن الماضي. ولقد اختلفت تلك الرؤى لتعكس الفكر المجتمعي السائد على مدار عقود. وربما كان أرسخ طرح هو مثلث الحب: حيث يتنافس على حب البطل فتاتان، إحداهما طيبة تفوز بقلبه في نهاية المطاف، والأخرى شريرة (أي لا تمتثل للمعايير البطريركية عن الأنوثة) تحتال للاستحواذ عليه طوال الوقت وقد تنجح لفترات قصيرة، ولكنها تفشل في نهاية المطاف. ونادرًا ما خرجت الأفلام المصرية في حقبة الأبيض والأسود عن ذلك المثلث الذي يمثل الرجل المنشطر بين المادونا والعاهرة. ومن أبرز تلك الأفلام الكوميدية فيلم "صاحب الجلالة" (عن سلطان بورنجا) للمخرج فطين عبد الوهاب، والذي أنتج عام 1963 وكان من أبطاله: فؤاد المهندس، وفريد شوقي، وسميرة أحمد.
يمجد الفيلم الحب الطاهر العذري ويكرس احترام المرأة، ويسخر ممن يتعاملون مع النساء وكأنهن دمى. فصاحب الجلالة سلطان بورنجا العظمى، أو كما يلقبه مهندس الكوميديا المصرية في الستينات "طويل العمر، يطول عمره، ويزهزه عصره، وينصره على من يعاديه .. هاي هي." لديه من الحريم 300 بتعريف الصحفي المصري " أو أربع زوجات وما ملكت يمينه" على حد تعبير اليوران الخاص، أو "ما ملكت يميني ويمين أبي وأمي واللي خلفوني" كما قال وحش الشاشة المتقمص لدور السلطان. وبالإضافة إلى ذلك فهو يتعرف على من تروق له النساء مثل الراقصة "محاسن الصدف" والتي " أمضت ليلة في قصر عظمته". وهكذا فإن السلطان لا يكتفي بما ملكته يمينه، وإنما يسعى دائماً إلى تمديد الحرملك لديه!
ويسخر المؤلف من الحريم اللائي يتبعن الجدول لقضاء الأمسيات في معية السلطان، فهن كما يعرفهن الياور عسكراني "لإمتاع ليالي عظمته". فلا يمكن أن يتعاطى رجلا مع 300 امرأة ويتعامل معهن كآدميات، ولذا فقد رسمهن الكاتب كالدمى، فهن ينفعلن بشكل جماعي وبحركة آلية كصدى لتحركات السلطان. كما أنه يسخر من نزع الآدمية عنهن بنزع أسمائهن واختصارهن إلى أرقام. بالإضافة إلى أنه لا يكشف عن وجهوهن المخبأة دائمًا خلف الستار - إلا في مشهد قصير يظهر فيه خيبة أملهن على الجدول - فما حاجة الدمى إلى وجوه ؟ وعلى حريم السلطان أن يلتزمن بما يصدره السلطان من تعليمات، فحتى نمرة 7 فائقة الجمال والإغراء والعزيزة على قلب السلطان، تؤمر في مشهد قصير بالانصراف فتنصاع وتغادر جناح السلطان. ومن اللافت للنظر أن مثلث الحب هنا بالرغم من اكتماله ليس نشيطاً، فالدمى لا تتآمر بشكل فعال لاكتساب قلب السلطان/الحمال، وكيف لها أن تفعل وهي دمى؟
وعلى الوجه المقابل يرسم المؤلف صورة جميلة للحب العذري بين الشيال المتقمص لدور السلطان والبطلة، فينسج قصة حب ناعمة تتكاثف على مدار الفيلم، يستغني بها البطل عن جميع "ما ملكة يمينه" فعندما تغار عليه منهن، فيأمر بترحيلهن. وعندما تغار عليه من الراقصة ويظهر الاستياء على وجهها، فيأمر بعدم لقائها ثانيًا. وفي المقابل عندما تكتشف أنه مجرد شيال ومتقمص لدور السلطان، فهي تسعد به، وتتزوجه بالرغم من الفروق الاجتماعية والثقافية بينهما. فالحب الذي جمعهما يمكنهما من تخطي جميع العقبات!!! ولا يفوت المخرج أن ينهي الفيلم على الطريقة المصرية: فيساعدهما السلطان ببعض المال ليبدأ حياتهما معًا.
قد يكون لهذا الفيلم إسقاطات سياسية خاصة لا ننتبه إليها اليوم، ولكنه أيضًا يمثل نبض الواقع المصري في تلك الحقبة حيث بدأت النساء في الحصول على بعض حقوقهن، وبدأ النظر إليهن على أنهن آدميات متساويات في الحقوق والواجبات، ونفذت هذه الرؤية إلى الفن السابع فشهدنا روائع السينما المصرية في الستينيات، فأين نحن من هذا اليوم؟

المصدر : مركز مساواة المرأه
1