أحدث الأخبار
الثلاثاء 23 نيسان/أبريل 2024
صديقي حنا ستبقى حاضرا دائما!!
بقلم :  رشاد أبوشاور ... 02.05.2020

إلى صديقه ورفيق عمره الشهيد حنا مقبل
أنت تعرف يا صديقي أنني تخطيت الستين..والسبعين..وأنه محظور على أمثالي مغادرة البيوت والتجول في الشوارع، لأنهم مستهدفون من فيروس الكورونا.. ولهذا يا صديقي لن أتمكن من زيارة ضريحك في المقبرة المسيحية في( أم الحيران)، وقراءة الفاتحة لروحك، فأنت كنت عربيا حقيقيا..لا تفرّق بين مسيحي ومسلم، وكنت تحفظ آيات من القرآن..وتتكلم لغة القرآن المبينة التي تسري في ثقافتنا العربية، وتحفظها، وتصونها.
أنا لا أتذكرك في يوم جريمة اغتيالك 3 أيّار 1984في نيقوسيا عاصمة قبرص..فأنت حاضر دائما، وأنت تعرف أنني أسالك أحيانا عن أمر ما وأطلب منك رأيك..ولأنني أعرف تفكيرك فإن جوابك يحضر..وتراني وقد قلت في نفسي مرتاحا: صدقت يا أبوثائر العزيز..الأمر هكذا..وأمضي في سيري مواصلاً وكأننا ما زلنا معا، أنا حي..وأنت حي بروحك وتفكيرك ومواقفك.
عندما يذكر اسمك تتدفق مواقف وقفتها، وقرارات قررتها، ومسيرة عشتها، وتركت، رغم أنك رحلت شابا، تراثا ينفع السارين إلى فلسطين..ممن لا تغرهم ملهيات الدنيا من مناصب ووجاهات ومكاسب زائلة..وممن لا تضللهم مغريات، ولا تضللهم أفكار تحرف عن طريق فلسطين...
طاقتك على العمل كانت مبهرة، فأنت ماكنة لا تتوقف عن إنتاج الأفكار المبدعة، والأعمال الواجبة التي تصب في خدمة فلسطين، وأنت مترفع ..تجلس في الخلف..ولا تسعى للبروز والظهور الأناني..فعيناك تتطلعان دائما صوب فلسطين لا الكاميرات.
كنت في مقدمة من أسسوا الاتحاد العام للكتاب والصحفيين الفلسطينيين، وانتخبت أمينا السر..يعني قلب الهجوم..( اللاعب) البارع الذي يصد هجمات الخصوم و..يسجّل الأهداف، وغالبا يمرر الكرة لغيره بعد إعدادها..فيأخذها غيره ( مقشرة) ليسجلها هدفا و..كأنه هو من سجلها ببراعته حسب!
طاقتك على العمل المبدع تجلّت عندما صوّت لك بأن تخلف الصحفي العربي المصري الكبير كامل زهيري في موقع رئيس اتحاد الصحفيين العرب في مؤتمر ( الحبانية) في العراق عام 1979..عندها شكك بعض الحاضرين في المؤتمر..وبعض الغائبين المغرضين ..وقالوا بحسد، أو قصر نظر وعدم معرفة بك وبكفاءتك: حنا لن ينجح في ( ملء) موقع كامل زهيري...
وفي فترة وجيزة نجحت بعملك ..بقدراتك كدينمو..وخرجت بالاتحاد من حالة البطء والتراخي والتفكك إلى حالة الفعل والحضور.. و( تشغيل ) كل الطاقات المعروفة عربيا دون تمييز...
أوعزت..وأشرفت على إقامة معارض ومسابقات ولقاءات وندوات في أكثر من عاصمة عربية مشرقا ومغربا، وجاء نشاطك هذا والأمة تتلقى صدمة ( كامب ديفد) واختطاف السادات لمصر وتحويلها إلى موقع آخر..خارج الصف العربي..فكان على الكلمة الشجاعة الصادقة العربية المنحازة لفلسطين والعروبة أن تتصدى للانحراف والغدر والخيانة..فكنت أنت محرك النشاط الصحفي البارز على المستوى العربي.
خرجت باتحاد الصحفيين العرب إلى الفضاء العالمي، فسيّرت الوفود التي تشكلت من صحفيين من مشرق الوطن العربي ومغربه، ولم تكن تتصدر تلك الوفود..فأنت تكتفي بدورك الفاعل.. وبالرضى مما يتحقق لفلسطين ..وللصحفيين العرب من دور مشرّف فاعل.
عُقرت ( فلسطينيا) و..لكنك لم تهتز.
ظنوك مجرّد شخص سهل ما أن يحرّك من موقع يشغله بجدارة حتى ينتهي، ولكنك بنيت( القدس برس) وجعلتها مؤسسة أهم بكثير من المواقع الرسمية التي بالكاد يسمع صوتها في جوارها..في حين صوت مؤسستك التي اجتذبت لها كتابا أكفاء اختاروا الحفاظ على كلماتهم وأصواتهم في وجه حالة انهيار يعلو وينتشر..متصديا للتسويات مع العدو الصهيوني على حساب فلسطين قضية العرب المقدسة والمصيرية.
أنا لا أعدد مآثرك..فأنت مضيت بكتابك في يمينك لتقف بين يدي الله وفي فمك ودمك كلمة جليلة: فلسطين...
من قتلوك اندثروا، ومن خطط وأمر مات ( فطيسة) تلحق به اللعنات...
وأنت باق بكل ما كتبت، وفعلت، وآمنت...
جيلنا يا صديقي يعرفك، وفي زمن الخراب تعود..ويستذكرك من قرأوا تحذيراتك..وخبروا مواقفك، ولكنني أكتب لجيل أتمنى أن يبحث عن اسمك..ويقرأ بعض ما كتبت...
غيرك ترك ثروات من سحت التهمه من أفواه وأيدي من ضحوا بأرواحهم ودمهم..وأنت تركت تراثا ثقافيا وطنيا وقوميا لا يزول.
سأحضر لزيارة ضريحك..وسأنحني وأهمس لك بآخر أخبار فلسطين..والقدس مدينتك ومسقط رأسك..ومهوى قلبك..وأخبار بلاد العرب..أخبار المقاومة العنيدة متجلية في سكين مقدسي..وفي رصاصة فتى جرئ يقتحم الحواجز..وفي صلاة مسجد وكنيسة تعلو في وجه الصهاينة المحتلين...
وإلى أن نلتقي..هناك..حيث أنت..إن شاء الله:
أنت تعرف يا صديقي أنني لم أبدّل..فأنا سأبقى الوفي لكل ما جمعنا..ولطريق مضينا عليه ...
لروحك السلام.
عادة نزورك معا: أم ثائر، وسلام ابنتك الوفية وزوجها رمزي أبوحنا..ولكن ..ستعذرنا مؤقتا..فأنت تعرف بأنك حاضر معنا جميعا، ومع أوفياء كثيرين في فلسطين..وفي كل بلاد العرب..وفي الشتات البعيد...
أنتم السابقون..ونحن اللاحقون يا أخي وصديقي ورفيقي
صديقك/ رشاد أبوشاور

1