أحدث الأخبار
السبت 20 نيسان/أبريل 2024
نساءٌ سيّئات!!
بقلم : سهيل كيوان ... 08.03.2018

لن أقول إنك مربية الأجيال ونصف المجتمع، ولا سفينة النجاة، ولا الياسمينة بين القرّيص، إنما أقول، عندما تكون المرأة مجرمة وسارقة وكاذبة وآكلة حقوق الآخرين، فهي أسوأ بكثير من الرجل الذي يمارس هذه الممارسات نفسها.
المرأة رسخت في وعينا كمخلوق طاهر، لا تفعل ما يفعله الرجل من نقائص.
ولدتُ وعشتُ في مجتمع محافظ، وعيتُ فيه على أن خطأ المرأة أشدُّ وطأة بكثير من خطأ الرجل، لدرجة أنني لم أكن أتخيّل أن المرأة قد تسرق، أو تلوّث ثغرها بكلام بذيء. ربما لأن المرأة هي بوصلة الأسرة، إذا فسدت فسدت الأسرة، وإذا صلحت صلحت. أن تُضبط امرأة باختلاس مال مثلا، فهذا يمسُّ أنوثتها، وإذا طلّقها زوجها فهو معذور، ولكنها لا تستطيع أن تطلقه، حتى لو ارتكب جريمة اختلاس ورشوة وتحرش جنسي وسطو وإطلاق نار معاً، فبعد ارتكابه الجرم المشهود، من واجبها أن تدافع عنه كي تكون أصيلة، وأن تصدق روايته وتعيدها وتؤمن بها، ثم تزوره في سجنه وتختلي به- حيث يوجد قانون يسمح بهذا- وتحمل وتنجب منه وهو حرامي ومجرم وراء القضبان. إذا رأيتَ رجلا دسّ أصبعه في أنفه فهذا عمل غير مهذب، ولكن عندما تفعلها امرأة فهي مقرفة مثيرة للاشمئزاز فاقدة الأنوثة، لأننا تربينا على أن المرأة نظيفة وأنيقة وتحافظ على مظهرها أكثر من الرجل الذي نتسامح مع همجيته، بل وقد نعتبرها أحد وجوه الرجولة.
يجب دعم المرأة من خلال تمكينها في التعلم وفي الوظائف العامة والوزارات والتمثيل البرلماني، والتمييز الإيجابي لصالحها لسد الهوة الشاسعة بين الجنسين عبر الزمن، هذا جميل ورائع، ولكن كيف يمكن لامرأة أن تصمت إزاء ما تعانيه نساء أخريات من قتل وتشريد وانتهاك وحصار، كيف يمكن لنساء أن يتقبلن حجة وجود مسلحين لتبرير القتل العشوائي بحق المدنيين! أليس هذا المنطق نفسه الذي استخدمته إسرائيل في كل مراحل عدوانها على شعب فلسطين والشعوب العربية منذ قيامها حتى يومنا، فطائراتها قد تدمر حيا كاملا على من فيه، لأن فيه مسلحين، وبهذه الحجة قصفت مدرسة بحر البقر ومصانع أبو زعبل ودمرت عمارات مأهولة بالمدنيين خلال حرب الاستنزاف، فقتلت مئات العمال والطلبة بحجة وجود قوات مصرية قريبة منها. كيف تقبل نساء ديمقراطيات متنورات أن يكون قتل المدنيين وتدمير مستشفيات وبنى تحتية طريقة مشروعة للضغط على مسلحين محاصرين، مهما كان موقفهن من هؤلاء المسلحين، سواء في سوريا أو اليمن أو العراق أو ليبيا.
المرأة التي تصمت وتبرر جرائم النظام بحق النساء في سجونه، فهي أيضا شريكة في الجريمة، المرأة التي تتجاهل امرأة تهان وتُبتز امرأة ويعتدى على عرضها لأنها معارضة، فهي شريكة بهذا، المرأة التي تنافق للنظام بالشعر والنثر والكلام الصحافي المنمق، فتصفه بأنه الأب الحنون وراعي الثقافة بينما هو مجرم ومكانه الطبيعي في السجن فهي شريكة بالجريمة. المرأة التي تتهم من يتخذ موقفا ضد نظام بشار الأسد بأنه داعشي فهي شبيحة أيضاً، فالأكثرية الساحقة من المعارضين لبشار الأسد ليسوا داعشيين، وليسوا منظمين في أي تنظيم. المرأة التي تقول إنها تغني وترقص وتكتب نكاية بـ»داعش» هي منافقة أيضاً، لأنها قصدت القول بأن الثورات العربية ضد الفن والرقص والغناء وبأنها «داعش».
كثيرات منهن روجن لما نشرته الأنظمة، بأن الثورات أتت لاستعباد المرأة، بعضهن وبوعي كامل أخذن الشعوب العربية الثائرة بجريرة «داعش»، ووافقن على هذه الفرية الدموية ضد الثائرين، ثم صمتن رغم كل ما جرى ويجري من جرائم حرب بحق البشر. تُستغل النساء من قبل الأنظمة، وكثيراً ما يتّخذن رهائن، فالمعارض السياسي قد يجري الضغط عليه، من خلال تهديده بهتك عرض أمه وأخته وزوجته أو ابنته، ورغم ذلك نرى متواطئات من النساء وصامتات إلى جانب الباطل. بعض مدّعيات التحرر يربين طفلاتهن القاصرات على استغلال أجسادهن وذكائهن للمشاركة بإعلانات لأجل الربح المادي، هذا يعود للوعي المشوّه لدى كثير من النساء عن جوهر التحرر والتقدم، فالشكل ولباس آخر صرعة هو مقياس للتحرر لدى كثيرات منهن. كثيراً ما نسمع مقولة إن عائلة فلان راقية جداً، ثم نكتشف أن المقصود بالرقي هو اللباس والمواظبة عند الكوافير، بينما قد يكون الفكر متخلفاً غارقاً في سفاسف الأمور وقشورها.
اللباس والمظهر يجب ألا يكون قياساً لا لتخلف ولا لتقدم، ولا لثورية أو رجعية، فالأصل هو العقل والوعي، هناك فرق واضح في تعريف ما هو اللباس المحافظ وما هو المنفتح، هذا يختلف من مجتمع إلى آخر ومن بيئة إلى أخرى علينا احترامها، وعدم فرض رؤية أحادية بأنها الصواب. زواج القاصرات منتشر جداً في العالم العربي، بعشرات الآلاف سنويا، هذا يعني المقامرة بمستقبل آلاف الأسر، فكثير من القاصرات يكتشفن أنهن ظلمن بتأخير كبير. في الماضي كان الرجل يتزوج قاصراً ويربيها على يديه، وتبقى رهينة واقعها المغلق، راضية فيه، لأنها لا ترى ولا تعرف بدائل أخرى إلا نادراً، ولكن في عصر الاتصالات المفتوحة والمواصلات السريعة وغيرها، لم يبق أي ضمان لالتزام المرأة ببيتها وأسرتها وزوجها سوى وعيها وأخلاقها، فالقاصر سوف تكتشف نفسها بعد عقد أو عقدين من الزمن، وقد يكون هذا متأخراً ويهدد سلامة الأسرة، ليس مفاجئاً رؤية مراهقات في الأربعينيات من أعمارهن. يأتي زواج القاصرات في العالم العربي من واقع بائس سببه الفقر بالأساس، وتهاون الدولة التي تتواطأ مع أولياء الأمور لأنها أيضا تريد لولي أمر القاصر أن يتخفف من عبء إعالة بعض أطفاله، هذا يخفف الاحتقان الذي يسببه الفقر، والقاصر ترضى بأي بديل عن واقعها الرديء، وأحيانا ترغم إرغاما على القبول، وقد جاءت الحروب الأهلية لتزيد من هذه الحالات بصورة مخيفة.
كثير من النساء «المتحررات» في وسائل الإعلام والفن، تحولن إلى أبواق للأنظمة، وكل همهن هو الربح المادي على حساب دهس ودوس حقوق النساء المعارضات، أو زوجات رجال معارضين، ويبررن للطغاة ممارساتهم، بأشداق لا تتوقف عن التحريف وذكر أنصاف الحقائق والكذب الرخيص، ثم بعد هذا يطللن ليتحدثن عن حرية المرأة في الثامن من آذار، برومانسية العاشقات المراهقات القاصرات.

1