أحدث الأخبار
الجمعة 19 نيسان/أبريل 2024
شاشا كابور وفيلمنا المحترق…!!
بقلم : سهيل كيوان ... 06.07.2017

في قريتنا دار للسينما، هي عبارة عن قاعة من الإسمنت العاري، أما مقاعدها فهي خليط من صفيّ مقاعد خشبية متلاصقة ببعضها، وصناديق مشروبات فارغة وأخشاب القصارين والبنائين. أتحدث عن حقبة من أواسط الستينيات حتى أواخر الثمانينيات.
مع تكرار المشاهدة مرتين في الأسبوع، نَمت لدينا خبرة في مواضيع الأفلام حسب مصدرها.
الأفلام التركية، جميلات ودموع وموسيقى شجية حزينة، قصص حب وشرف وضياع ثم انتقام ونهاية سعيدة.
كرهنا الأفلام الفرنسية والأوروبية عموما، يبدو أنها اعتمدت على حبكات وحوارات طويلة يتخللها هدوء مستفز لجيلنا الذي يحب العراك، ورغم ذلك كنا نحضرها والأمل يحدونا بمشاهدة لقطة جريئة متوقّعة من جسد البطلة مكافأة على صبرنا. كثيرا ما سببت هذه اللقطة جدلا بيننا، هل هذا حقيقي أم خدعة سينمائية؟ مرت سنين طويلة حتى صرنا نتذوق الأفلام الأوروبية.
في أفلام رعاة البقر الأمريكية أحببنا مشاهد المبارزة وسرعة إطلاق النار، وجندلة العشرات من البشر والخيول ثم إشعال سيجار بهدوء والمضي مع موسيقى تصويرية رائعة دون التفات إلى ساحة المعركة المزدحمة بجثث الخيول والبني آدمين.(مرت سنين كثيرة حتى فهمنا أن الخيول المقتولة من البلاستيك).
كذلك كان طرزان أصلي وطرزانات مزيفون، الأصلي هو(جوني فايسمولر) بزعقته المميزة، وهو الذي ربّته القردة ، مصارع الأسود والثعابين وفالخ شدقي التمساح، يظهر في اللحظة الأخيرة قبل حرق حبيبته (جين) التي اختطفها الأفارقة، عاصفة من التصفيق والصفير الحاد عند ظهوره وقتله لنصف سكان القارة الأفريقية.(بتأخير كبير اكتشفنا الشبه الشديد بيننا وبين الأفارقة والهنود الحمر كضحايا للرجل الأبيض).
كانت هناك أفلام من قصص العهد القديم مثل شمشمون الجبار، الذي دمّر جيش الفلسطينيين بفك حمار ثم خداع دليلة له وحلق شعره وأسره ثم نمو شعره وعودة قوته وهدمه للمعبد عليهم، كنا نتعاطف معه ونشتم دليلة الخائنة والبلشتيين عبدة الأصنام. بعد عقود طويلة سنفهم أن البلشتيين هم الفلسطينيون أهل غزة ومجدل عسقلان، وما زال شمشون التوراتي يقتلهم ويقطع الكهرباء والدواء عنهم حتى يومنا هذا، بل وانضم إليه فراعنة وكنعانيون وأموريون وأدوميون وفينقيون وموآبيون وأعراب وعربان ومؤمنون وموحّدون وملحدون من شتى الأعراق.
الأفلام العربية العاطفية أشهرها لعبد الحليم حافظ –الخطايا- وحكاية حب ( بكينا كثيرا) – والكوميدية من بطولة إسماعيل ياسين وعبد السلام النابلسي وفؤاد المهندس وشويكار وأمين الهنيدي وعبد المنعم مدبولي وطريقة كلام يوسف وهبي وشخطه، كانت أفلاما بريئة بسيطة ناسبت أعمارنا الطرية وبداية تشكل وعينا.
أما الأفلام الهندية فلا منافس لها، فهي طويلة عادة، وقد وصل بعضها لأكثر من ثلاث ساعات، والطول هنا مهم جدا، خصوصا عندما يحوي العرض المناظر الطبيعية والحدائق وفرق الرقص، فهمنا وقتها أن الهند جنة الله على الأرض، هذا عززه جمال الممثلات ذوات الطبعة الحمراء على الجبين والرقص والغناء بأصوات رخيمة متعة للبصر والسمع والخيال، أضف لهذا احتشامهن ورفضهن تقديم ولو قبلة للعاشق الولهان، جعلتنا من المؤيدين بحماس لأخلاق المرأة الهندية التي من المستحيل أن تسمح للرجل بتقبيلها، (لم نكن نعرف الكاما سوترا ولا فنون الحب الهندية بعد).
أحببنا جدا تقديرهم حد القداسة للأم، وكنا ننتشي عندما نرى البطل يبكي ويقبل قدمي والدته وينادي ماااه، فنردد وراءه..إنه يقول أمي أمي. حتى أننا تفاجأنا فيما بعد من وجود هنود شريرين مع صعود موجة أفلام الحركة، فقد ظننا أن كل الهنود تأكل عشاءهم القطة والبقرة والفأرة.
أهم ما في الأفلام الهندية هو أن الأحداث لا تنتهي، وما أن يتوهم الجمهور أن القصة بلغت الذروة وانتهت حتى تبدأ من جديد نحو ذروة أخرى، فلا يموت البطل حتى لو رأيته يحترق أو يسقط في منحدر سحيق أو يخترق جسده رصاص كثير أو تمر على جسده جرافة دي 9، فبشرى عودته حيا قادمة حتما.
المفاجآت الأكثر تداولا كانت اكتشاف البطل وهو من عائلة كابور عادة، أن رئيس العصابة الشريرة هو شقيقه التوأم الذي تفرّق عنه طفلا، أو أن الرجل الغني الذي طرده وآذاه هو والده الذي طرده وأمه الخادمة، أو أن العجوز التي تعمل خادمة في قصره هي أمه الحقيقية، وأن من ظنها والدته ليست كذلك بل هي التي أنقذته من العصابة التي سرقته من حضن خالته التي سيظهر بعد سنين أنها والدة شالوخان، وتنتهي القصة أو مسلسل القصص في الفيلم، بدموع السعادة وتقبيل الأقدام ولم الشمل.
أذكر فيلما عاطفيا وحزينا كالعادة، تخللته مشاهد من الحرب بين باكستان والهند، كان الجمهور متعاطفا مع بطل الفيلم وهو حتما من عائلة كابور، راجي أو سامي أو شاشي الله أعلم، رأينا الهندوسي والمسلم فيه متحابين، وتعاطفنا مع طائرات الهند التي ظهرت في سماء كشمير، فقد أفادنا أصحاب العلم من المشاهدين إنها طائرات الميغ السوفييتية، سُررنا لأجلها، وأردنا النصر لآل كابور، الأجواء العامة كانت منحازة للهند، ولا أذكر أحدا ذكر باكستان (كما يبدو لعدم وصول سينما باكستانية إلينا).
منذ أيام بوليوود الهندوسية السعيدة تغيرت أمور كثيرة، انتهت الحرب الباردة وانحاز من كان غير منحاز.
أقامت الهند علاقات مع إسرائيل في العام 1992 وتراجعت عن وصف الصهيونية بالعنصرية، وتربطها اليوم اتفاقات عسكرية اقتصادية عميقة مع دولة الاحتلال . جاء مودي زعيم ثالث اقتصاد وثاني قوة بشرية في العالم إلى فلسطين المحتلة وعانق الممثل الأكبر للاحتلال والعدوان، وغض الطرف عن الضحية في غزة ورام الله، لم تعد فلسطين في قائمة بقراته المقدسات، بما يتناقض على الأقل مع قيم الأفلام الهندية المناصرة للحق والخير. صحيح أن الدول مصالح متقلبة مثل مصالح وتكتيكات رعاة البقر، ولكن الأنظمة تتحمل المسؤولية في كيفية إدارة مصالح شعوبها، بما في ذلك أنظمة رعاة!!

1