أحدث الأخبار
الجمعة 19 نيسان/أبريل 2024
ميدالية ماسية لابتهاج محمد!!
بقلم : سهيل كيوان ... 11.08.2016

أثار الحجاب أو غطاء الرأس الذي ترتديه ابتهاج محمد لاعبة السيف في الفريق الأمريكي في أولمبياد ريو، موجة من تساؤلات واهتماما في وسائل الإعلام العالمية، حتى أن مجلة «تايم» الأمريكية ضمّتها إلى لائحة المئة امرأة المؤثرات في العالم للعام الجاري، ووضعت شركة «فيزا» العالمية صورتها في صدارة إعلاناتها.
هذا إلى جانب مشاركة رياضيات بلباس محتشم من مختلف البلدان العربية والإسلامية، مثل الفريق المصري للفتيات في رياضة كرة الشاطئ، وهي رياضة يعتبر «البكيني» أحد مقوّماتها، ونُشرت صور لرياضيات مصريات بلباس محافظ وألمانيات متحديات بـ «البكيني» في مواجهة بعضهن! وطُرحت تساؤلات من طراز هل هي حرب حضارات؟
مشاركة الأمريكية المحجبة في الأولمبياد وغيرها بلباس يظهر هويتهن الدينية يدل أولا على إن المحجبة لديها رغبات إنسانية بممارسة الرياضة كغيرها، وأنها قادرة على ذلك مثلها مثل فتيات «البكيني» وممكن لها أن تتفوق في الرياضة والعلوم والسياسة، وأن الحجاب ليس عائقا لأي نشاط إنساني، ويفترض أن يمر هذا اللباس بدون ضجة إعلامية وبشكل طبيعي، لولا التحريض المستمر السابق على البشر الذين يرتدون مثل هذا النوع من اللباس.
ابتهاج محمد شاركت في الأولمبياد باسم بلدها أمريكا في الوقت الذي يوجد فيه مرشح رئاسي جمهوري عنصري، يحرض ضد المسلمين بشكل خاص، ويحاول جعلهم مطية في طريقه للمنافسة على دخول البيت الأبيض، يوم أعلن أنه سيمنع دخول المسلمين إلى أمريكا.
ابتهاج محمد قالت إن أمريكا رغم سياستها العدائية تجاه الشعوب العربية، وتحالفها مع قوى الاستبداد التي تخدم مصالحها، ودعمها للاحتلال الصهيوني لفلسطين، ورغم ارتكابها جرائم بحق الإنسانية لتحقيق وحفظ مصالحها الاقتصادية، ورغم شريحة واسعة ومتنفذة من العنصريين البيض فيها، إلا أنها في جوهرها بلد ديمقراطي يتمتع الناس فيه بحرّية المعتقد، وهذا يشمل اللباس كخيار شخصي، طالما أنه لا يسيء لمشاعر الآخرين ولا يسبب خطرا عليهم.
يشكل المسلمون في أمريكا واحدا في المئة فقط من عدد السكان، أي حوالي 3.3 مليون نسمة، وهذا يعني أن عشرات الملايين من الأمريكان لم يلتقوا مسلما في حياتهم، وإذا التقوه صدفة لم يتحاوروا معه، ولم يتعرفوا عليه عن كثب، ولدى الأكثرية أفكار مسبقة عن المسلمين وخصوصا العرب، مما صنعته ماكنات الإعلام المعادية، وعلى رأسها الإعلام الصهيوني، وإعلام العنصريين البيض.
وعلى ذكر الحجاب والأمريكان، فقد استضافت المكتبة العامة في بلدتي «مجد الكروم» قبل أسابيع قليلة كاتبة أمريكية، عرفنا من خلال حديثها أنها يهودية، تحدثت عن المخاوف التي انتابتها عندما حضرت إلى بيت مضيفها العربي المسلم في قرية دير الأسد في الجليل أول مرة قبل بضعة أعوام، ضمن برنامج بعثات طلابية إلى عائلات في أمريكا لتعلم الإنكليزية، عندما زارت دير الأسد ورأت أن زوجة وابنة مضيفها وجارات كثيرات في الحي محجبات، فوجئت هي وزوجها وابنها، وشعروا بقلق وارتباك، ولكن ما لبث أن انقلب كل شيء بعد اللقاء والحديث والمشاركة في الحياة اليومية في بيت المضيف العربي.
ومما قالته، أنه في يوم من أيام إقامتها في دير الأسد أحاط بسيارتها عدد كبير من الأولاد، وحينئذ تساءل زوجها «هل نحن في ورطة؟» وإذا بأولاد الحي يريدون الولد الأمريكي (ابنها) ليشاركهم اللعب في الحارة بعدما صار صديقا للجميع.
وأضافت هذه الكاتبة اليهودية الأمريكية: إن اللقاء بمسلم في مكان إقامتها هو أمر نادر جدا وغير متوقع، وهناك أفكار مسبقة سيئة عن العرب والمسلمين، والتغيير يحتاج إلى عمل دؤوب ووقت طويل، «في يوم ما رأيتُ امرأة محجبة في مركز تجاري، كان هذا بعد زيارتي دير الأسد، فتقدمت أنا وزوجي للتعرف عليها، وكنا على ثقة بأنها إنسانة طيبة» وأضافت» الآن بدأ ابني بتعلم اللغة العربية وصار يتقن الكثير منها».
كلنا ندرك أن جوهر الإنسان ليس في مظهره ولباسه، وقد قال الشاعر اليهودي العربي السموأل بن عاديا منذ القدم:
«إذا المرء لم يُدنَس من اللؤم عرضَه فكل رداء يرتديه جميل». فالجوهر لا المظهر.
وتبقى السياسة هي التي تسيء للمسلم ولغير المسلم، عندما يستخدم الدين وسيلة لتحقيق مآرب سياسية تتضارب تارة وتلتقي تارة أخرى، قد يستخدمها السياسي المسلم ومن مختلف المذاهب، وقد يستخدمها سياسيون غير مسلمين مثل رونالد ترامب واليمين المتطرف في أوروبا لتحقيق طموحات سياسية.
أما الحركة الصهيونية فقد بزّت الجميع باستغلال الدين، إذ بنت كل نظريتها وطردت معظم أبناء الشعب الفلسطيني من وطنهم لبناء الكيان الصهيوني على أنقاضهم، بحجة خرافة دينية اسمها «وعد الرب لشعبه المختار بأرض الميعاد».
لقد خرجت ابتهاج محمد بدون الميدالية الذهبية، وكذلك الفتيات المصريات وغيرهن، ولكنهن حققن ميداليات ماسّية، وهي أن بإمكان البشر أن يتعايشوا، وفي كل ظرف وزمان ومكان طالما أنهم يحترمون معتقدات وخيارات بعضهم البعض، ويتركون قضية الإيمان والدين دون تدخل بين الإنسان وقناعاته الشخصية، هذا ينطبق على الأجانب كما ينطبق علينا كعرب ومسلمين بأن نحترم خيارات الآخرين مثلما نريد من الآخرين احترام خياراتنا، ليكون عالمنا أجمل وأفضل وأكثر ألوانا وتنوّعا.

1