أحدث الأخبار
الأربعاء 17 نيسان/أبريل 2024
"الحلال" و"الباوند الإسلامي"… وشعب البقّالين يستكشف «سوق الإسلام» الواعد!!
بقلم : ندى حطيط ... 15.07.2016

تعرض الـ «بي بي سي» على قناتها الأولى منذ بداية الأسبوع فيلماً وثائقياً هاماً من تقديم المذيعة البريطانية المسلمة الحسناء ماريام فرانكوس – وهي بالمناسبة صحافية تكتب في صحف بريطانية واسترالية عدة وتنهي حالياً شهادة الدكتوراه من جامعة أكسفورد العريقة – تتناول فيه الظاهرة الجديدة، التي بدأت تظهر باستحياء، لكن بثبات في الشارع التجاري البريطاني وهي ظاهرة المنتجات والخدمات الموجهة تحديداً للأقلية المسلمة في المملكة المتحدة (تشكل حوالي 5 ٪ من مجموع السكان) تحت مسميات عدة كـ «الحلال»، و«الإسلامي» و«الشرعي» و«رمضان مبارك»، وما إلى ذلك.
عرض البرنامج تحت عنوان «الباوند أو الجنيه الإسلامي»، وهي التسمية، التي اصطلحت عليها وكالات الإعلان لتسمية ذلك القطاع من السوق الذي يغلب عليه الطابع الإسلامي.
وفعلاً فإن جولة سريعة على محلات السوبرماركت الكبيرة في مدن بريطانيا الكبرى كانت ستفاجئك بكمية ومساحة العروض الخاصة المخصصة للمنتجات الغذائية الموجهة لجمهور المسلمين بإصابتها صميم الحقيقة، التي تكرس شكل العلاقة مع المستهلك المسلم باعتباره متلقيا ساذجا يشكل صيدا ثمينا!
هل هذه ظاهرة صحية تعني أن الرأسمال البريطاني اكتشف أهمية هذا النوع الخاص من المستهلكين فقرر الإستجابة لحاجاته الخاصة، أم أنها موضة عابرة، بل وربما مسألة ينبغي أن تثير القلق، إذ بينما يتجه المجتمع البريطاني نحو مزيد من الإنغلاق والشوفينية، كما ظهر واضحاً خلال الحملات للإستفتاء على الخروج من الإتحاد الأوروبي، تدفع هذه البضائع – خدمة لمصالح منتجيها – باتجاه الإنعزال والإختلاف وتكريس ثقافة الغيتو – إن جاز التعبير – (معازل اليهود في أوروبا) بين المسلمين؟
رواد أم ضحايا؟
مراكز أبحاث التسويق تدّعي أن 90 ٪ من المسلمين يؤثر دينهم على خياراتهم الإستهلاكية على نحو ما، وبغض النظر عن التزامهم الديني.
وتقدر حجم السوق الإسلامية في بريطانيا وحدها بما لا يقل عن 20 مليار جنيه إسترليني، وهو رقم يثير شهية الرأسماليين البريطانيين في ما يبدو – والبريطانيون أمة عرفت بأنها شعب من البقّالين.
فرانكوس تقول إن عددا متزايداً من الأسماء التجارية المعروفة تسعى وبهدوء، دون لفت نظر، إلى تقديم منتجات وخدمات يمكن وصفها بأنها إسلامية على نحو ما، لكنها تقول إن بعض هذه المحاولات تنتهي إلى تقديم منتجات رديئة أو لا يمكن التحقق من إسلاميتها وغالبا ما تفهم المنتج الإسلامي بطريقة سطحية، ولذلك فهي تبدو أشبه بمغامرة غير محسوبة النتائج.
تشركنا فرانكوس هنا في قصة البوركيني – الذي قدمته إحدى الشركات البريطانية – كحل لممارسة السباحة للمسلمات، فلقي قبولا في بعض الأسواق الإسلامية، لكن الشركة تعرضت إلى هجوم غير مسبوق محلياً بوصفها تمارس عنصرية مقيتة تجاه البنات المسلمات اللواتي لا يرغبن بهذا النموذج من ثياب السباحة، وانتهت إلى عدم عرضه في الأسواق البريطانية.
أكثر من لحم وليسوا أي مستهلكين
تطرح فرانكوس مسألة المفهوم القاصر لوصف المنتجات الموجهة للمسلمين بـ «الحلال»، فالمستهلكون المسلمون ليسوا مجرد آكلي لحوم ودجاج، بل هم أيضاً مستهلكون معاصرون، لديهم إدراك عال للأصناف والماركات العالمية، كما يتميزون عموماً بالتقارب الشديد في علاقاتهم الشخصية والعائلية على العموم، إذ يعيشون في عائلات أكبر حجماً من المألوف وينفقون بسخاء على عوائلهم. قابلت فرانكوس نماذج من تجار ورواد في مجالات متنوعة يحاولون بناء أسواق حول هذه المعطيات عن المسلمين. مثلاً شادية سليم، التي أسست مصنعاً صغيراً لصنع سجق إسلامي، والتي قالت إنها كطفلة صغيرة مسلمة كانت دوماً تتساءل لماذا لا يقدر المسلمون أن يأكلوا السجق؟
وماريا إدريسي الموديل، التي ظهرت بحجابها في دعاية إحدى ماركات الثياب المشهورة وتحولت إلى ظاهرة في المجتمع الإسلامي البريطاني وغيرهما، لكن أيضاً هناك بعض البريطانيين الذين يحاولون توسيع قاعدة مستهلكيهم بجذب المشترين المسلمين، مثل روز براون، التي توزع منتجات تجميل وكريمات وتسوقها بأنها حلال و«البنك الإسلامي البريطاني»، الذي كان يحاول الحصول على حصة من السوق البنكي الجذاب عبر تقديم منتجات بريطانية موافقة للشريعة.
والسؤال هنا، ما هي المرجعية التي تضمن للمتسوقين المسلمين الحصول على منتجات «حلال»، سواء في الأطعمة أو في جوانب الإستهلاك الأخرى؟
وحتى لو افترضنا جدلاً أن المرجعيات حُددت – وهذا أمر مستبعد بالطبع – فمن يضمن أن لا تكون هذه القيمة المضافة تقدّم على حساب الجودة أو حتى السعر، لا سيما وأن كثيراً من الشركات العالمية تتعامل باستخفاف مع المستهلكين من خارج الدائرة الغربية وتتعامل مع الجمهور غير الأبيض وكأنه سوق تصريف فحسب.
في الحقيقة لا تعطينا فرانكوس في الوثائقي أية إجابات مقنعة عن ذلك، ومن حاول من ضيوفها تقديم إجابةٍ بدا مرتبكاً وغير متأكد!
أن يندمجوا أم لا يندمجوا، تلك هي المسألة
وجهة النظر المقابلة جاءت من رئيسة جمعية المسلمات العلمانيات في المملكة المتحدة، التي قابلتها فرانكوس، والتي اعتبرت أن فكرة السوق الإسلامية تخدم الرأسمال البريطاني أساساً لا المسلمين.
وهي اعتبرت دعوات التمييز للمنتجات والخدمات الإسلامية بأنها تناقض ليس له أي داع حقيقي في مجتمع قائم على أساس المواطنة المدنية المتساوية وتقدم منتجات متنوعة، لكن ضمن شروط صحية – عالية نسبياً – لجميع السكان.
وتؤكد فرانكوس على أن المسلمين ربما أحسوا ببعض السعادة لاهتمام محلات التجزئة والسوبرماركت بهم خلال شهر رمضان، لكنها أكدت أن المستفيد الأول كان محلات السوبرماركت نفسها التي وجدت في المسلمين فرصة لزيادة المبيعات طوال شهر كامل في وقت تعاني فيه الأسواق البريطانية عموماً من الركود.
ومما لا جدل فيه أن أبناء المسلمين من الجيلين الثاني والثالث يشعرون في معظمهم بأنهم في حاجة شديدة لبناء هوية مختلفة عن أقرانهم البريطانيين.
وفي أي شكل وموضوع كان هذا الحلال فهو يستجيب لحاجتهم السيكولوجية العميقة، لكن هؤلاء أيضاً ليسوا أبناء مناطق إسلامية تقليدية محضة، وهم يتعرضون للموجات الإستهلاكية الغربية وهكذا تسقط بعض المحاولات لتقديم حلول إسلامية، إما بالمحاذير الشرعية – ما شكل الحجاب أو درجة التجميل المسموح بها إسلامياً – أو التمييزية – مايوه إسلامي: هل إذا لم ترتديه المسلمة إذن هي كافرة؟ – وهذه مسائل وإن بدا طرحها في الوثائقي سطحياً إلا أنها واقعياً على الأرض تسبب أزمات نفسية وثقافية حادة للملايين من الأجيال الجديدة من مسلمي المهجر. لا بل إن المسلمين أنفسهم في أوروبا ليسوا ثقافة واحدة، ففيهم الهنود والباكستانيون والمصريون والشوام والخليجيون والأتراك والأفارقة على اختلاف مشاربهم، وغيرهم من المجموعات الإثنية دون أن نذكر إنقسامهم بين سنة وشيعة إلى آخره، وهي مجموعات متفاوتة في حاجاتها وأذواقها وحتى في تعريفها لمفهوم الحلال، لكن ذلك – وفق فرانكوس دائماً – قد يكون فرصة للشركات لفهم المستهلك المسلم عن قرب قبل الإنطلاق للاستفادة من الفرص الهائلة، التي تمثلها السوق الإسلامية عبر القارات.
هذا البرنامج الوثائقي على «بي بي سي» محاولة محمودة لطرح موضوع يتسم بكثير من التعقيد والتداخل وإن كانت المعالجة لم ترق إلى خطورة الموضوع وأبعاده السياسية والإقتصادية والثقافية والسيكولوجية، لكن نقاشا جدليا قد طرح يكشف خطر لعب الشركات والتجار بالأمور الثقافية والعواطف الدينية لتسويق منتجاتهم وهو بشكل ما دعوة جادة للمسلمين لإعادة النظر في معنى المنتج «الحلال» على مستوى أعم من أن يسمح بتداوله لمجرد ترويج ماركة معينة من الدجاج على حساب ماركة أخرى بإستخدام الرموز الطائفية والمذهبية المحضة، كما يحدث في كثير من أسواقنا العربية والإسلامية.

إعلامية لبنانية ..المصدر: القدس العربي
1