أحدث الأخبار
الجمعة 19 نيسان/أبريل 2024
حوار : ما مآلات الكشف عن وثائق العملية العسكرية لتهجير بدو النقب؟!
بقلم : سليمان أبو إرشيد ... 05.02.2022

العراقيب التي تحولت إلى رمز لنضال عرب النقب وصمودهم في أرضهم، بعد أن ضربت رقما قياسيا (197) في عدد المرات التي تعرضت فيها للهدم وفي كل مرة تنتصب من جديد، مرشحة لأن تقلب الطاولة "قضائيا" هذه المرة، بعد أن اعتبرت وزارة القضاء الإسرائيلية ملف القضية التي رفعها بعض أصحاب الأراضي ويجري التداول بها في المحكمة المركزية، بالملف "الإستراتيجي القومي".
"الانقلاب" وقع بعد الكشف الذي قام به بروفيسور غادي إلغازي، وهو أستاذ تاريخ من جامعة تل ابيب، أجرى بحثا معمقا حول موضوع الصراع على الأرض في النقب، كشف خلاله وثائق تاريخية تثبت أن العملية العسكرية التي قادها، في حينه، موشيه ديان كان هدفها نزع البدو من أراضيهم بالقوة، لأن نقل البدو من أرضهم إلى أراضي أخرى يلغي حقوقهم كأصحاب للأرض ويحولهم إلى مستأجرين لأراضي الحكومة، كما كتب ديان بصفته قائد منطقة الجنوب في الجيش الإسرائيلي، في رسالة عثر عليها غادي الغازي في أرشيفات الجيش الإسرائيلي.
قال الغازي لصحيفة "هآرتس" التي نشرت تقريرا موسعا حول الموضوع، إن إحدى وثائق الحكم العسكري التي عثر عليها تحدثت بوضوح عن عملية نقل البدو بالقوة من أرضهم إذا ما رفضوا الانتقال سلميا.
القضية التي تبحث في المحكمة الإسرائيلية تخص أقل من ثلاثة آلاف دونم، إلا أن الدولة صادرت بهذه الطريقة 247 ألف دونم في النقب، 66 ألف دونم منها لم يتم استعمالها حتى اليوم، وبهذا المعنى فإن قصة أرض العراقيب هي قصة جميع القرى غير المعترف بها والتي تشمل عشرات آلاف الدونمات، وجرى الاستيلاء على أرضها رسميا بواسطة هذه "الخديعة"، التي تقضي بدفع الأهالي إلى ترك أرضهم خلال الحرب ومنعهم من العودة إليها ومن ثم مصادرتها من قبل الدولة، ثم تحويل المصادرة إلى وضعية دائمة، استنادا إلى قانون الأراضي المسمى "قانون شراء الأراضي" من عام 1953، والذي ينص على أن الأراضي التي تمت مصادرتها تنتقل إلى سلطة الدولة إذا كان أصحابها العرب، الذين ما زالوا يعيشون في الدولة، لم يتواجدوا عليها بين 15 أيار/ مايو عام 1948 وبين الأول من نيسان/ أبريل عام 1952، وجرى مصادرتها في تلك الفترة لأغراض تطوير حيوية وما زالت تستعمل لهذه الأغراض.
د. عواد أبو فريح
حول هذا الموضوع حاورنا د. عواد أبو فريح، وهو أحد أصحاب القضية التي تخص أرض العراقيب ويجري التداول بها في المحكمة المركزية في بئر السبع، وتعتبرها وزارة القضاء الإسرائيلية "ملف أمني أستراتيجي" لأن قرار الحكم فيها سيكون له انعكاس على مجمل قضية الأرض في النقب.
"عرب 48": أنت أحد أصحاب القضية التي يتم التداول فيها بالمحكمة والتي دخلت فيها الدولة في مأزق عقب ما كشف عنه من وثائق في الأرشيف العسكري، بأن الترحيل كان مجرد خديعة هدفها نزع ملكية الأرض منكم؟
أبو فريح: أنا من مواليد العراقيب عام 1960 وأشقائي الأكبر مني أيضا ولدوا في العراقيب ووالدي وجدي ولدا في العراقيب، ونحن في أرضنا منذ مئات السنين، أي أننا كنا قبل عام 1948 وبقينا فيها بعد ذلك العام وخلال هذه الفترة تصدينا لكل محاولات الاقتلاع والترحيل والمخططات المكشوفة والمقنعة لنهب أرضنا.
كنت أذهب إلى المدرسة مسافة عشرة كيلومترات من العراقيب إلى المدرسة في رهط، قبل أن يبنوا رهط التي بنوها عام 1975، مشيًا على الأقدام وعلى الدواب إذا توفرت، في حر الصيف وبرد الشتاء وأمطاره حتى أنهيت دراستي الثانوية والتحقت بالجامعة العبرية في قسم الكيمياء، حيث أنهيت اللقب الأول ومن ثم انتقلت إلى التخنيون فانهيت اللقب الثاني والدكتوراة، وبعدها عملت في شركة أدوية لمدة سبع سنوات واليوم أنا رئيس قسم البيوتكنولوجيا في كلية "سبير".
وأنا أقول هذا الكلام لأننا بدل أن نشتغل في مجالاتنا ونصبح من المؤثرين في العالم، نشتغل على مدى الساعة لنبقى ونثبت حقنا في أرضنا أمام محاولات ومخططات الهدم والترحيل، كنت أرجع من المدرسة لأجد بيتي مهدوما وأعود من الجامعة لأجد أمر الهدم معلقا على الخيمة وأرى جرافات الهدم وسيارات الجيش التي تحميها تعيث خرابا في أرضنا وزرعنا وتبعثر ماشيتنا.
وأذكر أنني كنت على عتبة الزواج وبنيت "براكية" كي أسكن فيها أنا وزوجتي عندما وجدت أمر الهدم معلقا عليها لدى عودتي من القدس، كنت قد بلطتها وجهزتها لكي اتزوج فيها وبعد بضعة أيام جاءوا وهدموها، وبقينا على هذا المنوال هم يهدمون ونحن نبني، هم يقلعون ونحن نزرع حتى اليوم.
"عرب 48": ألا زلت تسكن في العراقيب؟
أبو فريح: لدي "براكيات" في العراقيب وأرضي وأرض جدي التي ما زلت أكافح لتثبيت حقنا فيها، وقد أنهيت الدكتوراة وأنا أعيش في خيمة في العراقيب، ولكن بعد أن توفي جدي وتوفي والدي وبحكم طبيعة عملي في شركة الأدوية وحاجتي للإنترنت والكهرباء اضطررت لأن اشتري أرضا في رهط وأبني بيتا هناك، إلا أنني بقيت على تواصل مع أرضي وربعي في العراقيب وما زلت منذ 30 عاما أداور وأناور في المحاكم الإسرائيلية لتثبيت حقنا في أرضنا.
"عرب 48": نحن نعرف أن إسرائيل لم تدخر وسيلة للسيطرة على الأرض الفلسطينية في الجليل والمثلث والنقب وسائر فلسطين، وتركيز العرب على أقل مساحة ممكنة، وأنها استعملت في سبيل ذلك كل الطرق والوسائل العسكرية وغير العسكرية، وما كشف عنه بروفيسور الغازي ونشرته "هآرتس" مؤخرا غير مفاجئ، علما أنه ربما يقوي موقفكم في المحاكم؟
أبو فريح: إسرائيل هجرت عام 1948 ما يقارب 90% من أهالي النقب، حيث بقي عشرة آلاف عربي من مجموع مئة ألف إنسان، وهناك في الأردن اليوم 800 ألف ممن يسمون أنفسهم سبعاوية، أصلهم من النقب فأنا على سبيل المثال نصف عائلتي في الأردن.
بعد عام 1948 بقي في النقب عشرة آلاف فلسطيني قامت إسرائيل بتركيزهم في منطقة "السياج"، المنطقة المغلقة والتي تبلغ مساحتها مليون دونم، وهي المثلث الواقع بين بئر السبع وديمونا وعراد، لقد "نظفوا" النقب الغربي بين "نتيفوت" و"أوفكيم" وشردوا الناس وهجروهم إلى غزة وإلى حورة و"نظفوا" النقب الشمالي ما عدا عشيرة الهزيل، التي أصبحنا نحن لاحقا نتبع لها، وركزوهم في منطقة صحراوية شحيحة الماء والأكل، كما كتب غادي الغازي.
أما قصتي الشخصية هي أنني كنت أنتمي لعائلة تتبع لعشيرة العقبي وكانت تسكن العراقيب. العراقيب أكثرها من عشيرة العقبي الذين نسميهم بلغتنا "العلامات" وهي عشيرة كبيرة جدا ما زال قسم منهم موجودون في بلادنا مثل عائلة أبو سكوت.
جدي اشترى قطعة أرض من العقبي في العراقيب عام 1926 وسكن مع عشيرة العقبي هناك، وأنا اليوم أملك ما ورّثه جدي لوالدي وهو ما يقارب 1250 دونم، التي تحدث عنها غادي الغازي وحكى كيف شردوا جدي سويلم والآخرين، وذلك من مجموع 50 ألف دونم هي أرض العراقيب، ومنذ 30 سنة تقريبا وأنا أدير ملف الأرض حيث هدمت العراقيب للمرة الأولى عام 2010 وقبلها كنا نناور مدة 20 عاما.
"عرب 48": أنت ذهبت إلى المحكمة في مرحلة مبكرة كما علمت؟
أبو فريح: عندما جاءت "الكيرن كييمت" لتحريش الأرض في سنوات التسعين، حيث بدأوا بالتحريش التدريجي والتهجير التدريجي، وعندما اقتربوا من أرضنا تصدينا لهم وأبرزنا أوراقنا التي تثبت ملكيتنا للأرض فقالوا إذهب إلى المحكمة، وكنا نعرف أن من يذهب إلى المحكمة يخسر لأنهم لا يعترفوا بأوراقنا.
عندها فتحت أوراق والدي لأول مرة وعرفت ما معنى "صمود" و"كوشان"، كان صندوق في داخل صندوق مدفون داخل الأرض فتحته وأخذت المسؤولية أنا وأخواني في الدفاع عن أرض والدي وجدي، وذهبنا إلى المحكمة فقالوا لا نعترف بهذه الأوراق وأرضكم مصادرة، استنادا إلى قانون المصادرة من سنة 1953.
كانت المرة الأولى التي أسمع فيها أنا وغيري عن قانون مصادرة من سنة 1953، كنا نسمع في السابق عن أرض "حرام" لكن لم نعرف مصدر الكلمة، وقد تبين لنا أن الكلمة عبرية الأصل وهي اختصار لما يسمى "قانون شراء الأراضي" الصادر عام 1953 وهو ذاته قانون مصادرة الأراضي الذي يتحدثون عنه.
وتبين أنهم كانوا قد أخرجوا العقبي من ارضه واليوم يسكنون في حورة وأخرجونا من أرضنا بالقوة لفترة معينة لغرض تطبيق القانون علينا وجعل المصادرة "قانونية"، ثم قاموا بتسجيل الأرض باسم الدولة أو شركة تابعة للدولة، مثلما أثبت غادي الغازي استنادا إلى الوثائق العسكرية التي عثر عليها في أرشيفات الجيش والكيبوتسات.
جدي ووالدي لم يكونا يعرفان ماذا تعني كلمة "حرام"، أذكر أن والدي كان يتحدث عن وادٍ يمر من قلب أرضنا اسمه وادي الفخاري وكان يقول إن شمالي الوادي أرض مسموحة وجنوبه أرض حرام، إلا أن والدي وجدي ماتا ولم يعرفا ماذا تعني هذه الكلمة.
"عرب 48": طبعا، إسرائيل استغلت عدم دراية أهالينا وثقافتهم المتواضعة لتنفيذ مخططاتها؟
أبو فريح: أنا أخذت الموضوع بشكل أكاديمي بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، ودفعت بالقضية في المحاكم من محكمة إلى أخرى، واستعنت بخبراء في مختلف التخصصات، وكانوا يقولون لي في النيابة لن تنجح بما فشل به العشرات من العرب.
قبل 11 سنة تسلم القضية المحامي، ميخائيل سفراد، وهو متخصص بحقوق الإنسان وانضم إلى الملف، صياح الطوري، واليوم نحن في قضية واحدة أمام المحكمة المركزية في بئر السبع، والحديث يدور عن أكثر من ألفي دونم من أرض العراقيب. المحكمة ادعت أن أرضنا مصادرة وفق قانون المصادرة من عام 1953 وكان علينا إثبات أن المصادرة غير قانونية.
المصادرة تمت وفق قانون كان يسمى "قانون الطوارئ"، من نيسان حتى نيسان أخرجوا الناس من أرضهم لمدة سنة وبعد سنة كانوا قد صادروا 250 ألف دونم.
من أرض والدي وجدي صادروا 1250 دونم سلمت منها 11 دونما تقع شمال الوادي الذي تحدثت عنه، أي خارج أرض "الحرام"، وقد تمت المصادرة استنادا إلى حجج مختلفة بينها مناطق عسكرية أو لأغراض عامة وغيرها، والهدف الأساسي منها كان إخلاء المنطقة الواقعة بين غزة والخليل لقطع التواصل الجغرافي الفلسطيني.
ما حدث معنا أننا رفضنا أن ننتقل مع العقبي عندما انتقلوا إلى حورة وعندما قالت الحكومة إن كل مجموعة يجب أن تتبع لشيخ ما، انضممنا إلى الهزيل القريب منا وبقينا في أرضنا.
"عرب 48": إلى أي مدى سيساعدكم في القضية ما كشف عنه غادي الغازي من مخطط مبيت للترحيل؟
أبو فريح: في القضية التي تنظر بها المحكمة المركزية في بئر السبع طلبوا منا رأي خبير في التاريخ ورأي خبير هندسي ورأي عالم آثار وأشياء كثيرة أخرى، فتوجهنا إلى خبراء بينهم بروفيسور غادي الغازي الذي بحث الموضوع لهذا الغرض بعمق، وأصدر كتابا وقدم شهادته التي استمرت لمدة ثلاث جلسات دامت كل جلسة 6-7 ساعات أمام المحكمة، وقدم المستندات التي عثر عليها في أرشيفات الجيش والكيبوتسات والتي تثبت بما لا يدع مجالا للشك أن الترحيل كان هدفه قطع التواصل الزمني للتواجد في الأرض بهدف تطبيق قانون المصادرة عليها.
بالمقابل أحضرت النيابة رأي خبير مقابل الغازي هي بروفيسور من جامعة القدس تدعى، مريم كارك، وهي متطرفة جدا، كما استمعت المحكمة إلى شهود عيان على الترحيل، واستمعت إلى رأي جغرافي قدمه بروفيسور، أورن يفتحئيل، رئيس قسم الجغرافية في جامعة بئر السبع، ود. أحمد امارة، وبذلك أنهينا المرحلة الأولى من الشهادات وننتظر أن تقضي المحكمة في أمر المصادرة وفيما إذا كان قانونيا أم لا.
"عرب 48": الحديث هو عن أقل من 3000 دونم ولكن القرار من شأنه أن ينعكس على قانونية مصادرة 250 ألف دونم؟
أبو فريح: التخوف من السابقة لا يلعب لصالحنا وقد رأينا في تجارب سابقة إلى أي مدى يتخوف القضاء الإسرائيلي من سابقة شبيهة، علما أن الكشف عن الخديعة التي مارسها الجيش الإسرائيلي بقيادة ديان قد قلب الطاولة قانونيا وأدخل المحكمة في مأزق لا نعرف كيف ستخرج منه.
*المصدر : عرب48

1