أحدث الأخبار
الخميس 28 آذار/مارس 2024
1450 451 452 453 454 455 456961
صحافة : فورين بوليسي: مصر السيسي تتظاهر بالتزام القانون وتستخدمه كغطاء لقمع الحقوق والحريات!!
12.11.2021

تساءل الزميل البارز في مجلس العلاقات الخارجية الأمريكية ستيفن كوك بمقال نشرته مجلة “فورين بوليسي” عن سبب تظاهر الديكتاتوريين بالتزام القانون. وقال إن هناك أمر يصل إلى حد المهزلة بشأن الطريقة التي يستحضر فيها ديكتاتوريون مثل السيسي القانون لتبرير القمع.
وأشار إلى أن مجلس النواب المصري مرر في الأسبوع تعديلات لقانون مكافحة الإرهاب والذي قوى سلطات الرئاسة والقوات المسلحة. وبهذه التعديلات يمكن للرئيس عبد الفتاح السيسي “اتخاذ إجراءات لحماية الأمن القومي والنظام العام”. وستقوم السلطات المصرية بلا شك بتعريف حماية الأمن والنظام العام بطريقة موسعة قدر الإمكان. والنتيجة هي قانون لمكافحة الإرهاب بسلطات موسعة أكثر من قوانين الطوارئ التي قرر الرئيس المصري رفعها قبل اسبوع من هذا القرار، وهي قوانين استخدمت بشكل روتيني في مواجهة المعارضين السلميين والذين استخدموا العنف ضد السيسي. وفي هذه الحالة تأخذ الدولة المصرية ما أعطته بيد باليد الأخرى. وأي من هذا لا يثير الصدمة “إلا أن الدم تجمد في عروقي عندما قرأت أن البحث في الجيش والكتابة عنه بدون إذن مكتوب من الحكومة سيؤدي إلى غرامة كبيرة. ولو كنت أكتب أطروحتى الآن وليس في التسعينات أو بداية الألفية الثانية، فلم أكن لأمضي في المشروع الذي كان أول كتبي المنشورة”.
ولكن هذه هي النقطة: ازرع الخوف في قلوب الطلاب المتخرجين والباحثين والصحافيين. فهذا ليس ضررا تافها ولكن غطاء قانونيا لانتهاك حقوق طلاب مساكين مثل الطالب الإيطالي جوليو ريجيني، والذي كان في مصر لا يدرس القوات المسلحة ومع ذلك لوحق وعذب وقتل لأنه قام ببحث في موضوع لم تكن الحكومة راغبة في بحثه.
ويتساءل كوك عن سبب إتعاب السيسي ومستشاريه أنفسهم بالتعديلات للقانون وتمريرها عبر مجلس الشعب، مع أن كل السلطات بأيديهم. والسؤال هنا: لماذا يشعر الديكتاتوريون المعادون بشكل كامل تقريبا لكل ملمح من ملامح السياسة الديمقراطية بالحاجة لعمل إجراءات ديمقراطية هزلية؟ فما يريدون منها؟ والجواب الكثير، فالدستور المصري لمن لا يعرفه يقدم صورة عن نظام ديمقراطي مفتوح، وعادل للحكم وحكومة ديمقراطية. فالمادة 4 تنص على أن “السيادة للشعب وحده يمارسها ويحميها، وهو مصدر السلطات ويصون وحدته الوطنية التي تقوم على مبادئ المساواة والعدل وتكافؤ الفرص بين جميع المواطنين وذلك على الوجه المبين في الدستور”، وتنص المادة التالية على أن النظام السياسي يقوم على نقل السلطة السلمي واحترام حقوق الإنسان والفصل بين السلطات والتعددية الحزبية. وهذا كلام جميل، لكنه ليس جميلا بالقدر لأن كل هذه المحددات للدستور الليبرالي مشفوعة بعبارات مقيدة، فمن صاغوا الدستور فهموا طبيعة الدساتير الليبرالية والديمقراطية، لكنهم كانوا من الدهاء بمكان لشمل عبارات مثل ” على الطريقة المبينة بالقانون” و “بالطريقة التي ينظمها الدستور/ القانون”. وقد يبدو هذا مجرد كلام، إلا أن هذه الصيغ تسمح للسلطات المصرية الحصول على الأمرين: مؤسسات تشبه تلك التي تملكها السياسات الليبرالية والديمقراطية، ولكن بأبواب عليها أقفال تسهل القمع والاضطهاد. ورغم الحق للمصريين بممارسة البحث (المادة 66) وحرية النشر (المادة 71) إلا أن هذه الحقوق محدودة من خلال إخضاعها لقوانين مرتبطة بالتحريض أو “الطعن في شرف الأفراد” وعليه تفسر بطرق لا تحمي حرية البحث والنشر. وهذا يشرح طريقة عملها، لكنه لا يفسر سبب إزعاج الحكومة المصرية نفسها الاستفادة من ممارسات شبه ديمقراطية وشمل الأحكام المناهضة للممارسات الديمقراطية في القانون. فكون السيسي ونظرائه في الدول غير الديمقراطية لديه كل السلطة، فهذا ليس ضروريا. ولكنهم يستفيدون من هذه الممارسة بطريقتين، الأولى، توفر عملية تقنين التعديلات لقانون مكافحة الإرهاب آلية فرض تسهم في السيطرة السياسية وهي التوجيه الرئيسي للدولة المصرية. أما الثانية، والأهم فهي تعطي المدافعين عن النظام وسيلة لرد النقد أو تقويضه والنابع من الداخل والخارج. ففي حالة عبرت وزارة الخارجية الأمريكية عن “قلقها” أو “قلقها العظيم” من الطبيعة القمعية للنظام السياسي المصري، فسيرد المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية أن مصر هي دولة برلمانية وفصل في السلطات ودستور يضمن حقوق الإنسان وحريات وحكم القانون المجسدة فيه بدون أن يكذب. وهو ما يطلق عليه ستيفن عولبرت “الإيهام بالصدق”، فما يقوله الشخص صحيح لكنه لا يجسد كل القصة. ويمكن تخيل ما يقوله مسؤول مصري معلقا على تعديلات قانون الإرهاب “لقد مررها البرلمان الذي يمثل الشعب المصري، وهو مصدر السيادة، وبهذه الطريقة يعمل، وهذا قانوننا ونحن دولة ذات سيادة”. ويعلق كوك أن أي شخص أجرى حوارا مع مسؤول مصري يعرف ماذا يعني بهذا الكلام.
وهذه ليست ظاهرة مصرية، فالاتراك والروس والبولنديون والهنغاريون يستخدمون نفس المنطقة. فعندما تسأل دبلوماسيا تركيا عن سبب سجن العديد من الصحافيين مع أن المادة 28 من القانون تضمن حرية التعبير. وسيكون رده بأن هذه الحقوق لا تنطبق عليهم لأنهم خرقوا المواد 1،2،3 من الدستور الذي ينص على أن تركيا هي دولة علمانية ديمقراطية وجمهورية تحكم بالقانون. ويقول لو شككت بأن تركيا غير ديمقراطية أمام أنصار حزب العدالة والتنمية لاعتبروك مجنونا، وهو نفس الموقف في مصر، حيث يرفض المسؤولون المصريون التقييمات الغربية لسجل حقوق الإنسان المؤسف في بلادهم. ويؤكدون أن السجناء اعتقلوا لسبب وان القضاء المستقل هو من سجنهم. وهذا ما يقتنع به أنصار النظام، ومحاولة إقناعهم بغيره ليس هو القضية بل إن موضعة الإجراءات المقيدة وأدوات الديكتاتورية في النظام القانوني والنظام الدستور تساعد على ردع نقد الحكومات الأجنبية ومنظمات حقوق الإنسان الدولية ومن بقي من المعارضين في الداخل. وطالما حث الناشطون الولايات المتحدة والقادة الأوروبيين على تحميل القادة الديكتاتوريين مثل السيسي مسؤولية كلامهم، والحكم عليهم بناء على التزامات دساتيرهم واحترام الحقوق الفردية، وهي استراتيجية معقولة، إلا أن الديكتاتوريين استفادوا من الوجه القانوني كجدار للدفاع عن النظام. ومن خلال ربطهم حق الإساءة لمواطنيهم والأجانب بالقانون، فقد سعوا لقلب الدستورية ضد منتقديهم وقد نجحوا حتى الآن.