أحدث الأخبار
الجمعة 29 آذار/مارس 2024
1142 143 144 145 146 147 148961
صحافة : محلل بريطاني: تغطية بي بي سي لأحداث الأقصى متحيزة وتدعم اضطهاد إسرائيل للفلسطينيين وتبرره!!
07.04.2023

نشر موقع “ميدل إيست آي” في لندن مقالا للصحافي البريطاني جوناثان كوك حول التغطية التي قامت بها هيئة الإذاعة البريطانية لاقتحام القوات الإسرائيلية المسجد الأقصى والاعتداء على المصلين فيه متهما بي بي سي بأنها تعطي غطاء للعنف الإسرائيلي وتساعد عليه.
وقال إن هيئة الإذاعة الرسمية تستخدم مرة أخرى “الحيادية” المشكوك فيها وتقف مع قمع دولة إسرائيل. وأشار في بداية مقالته إلى ما قاله الأسقف ديزموند توتو الذي قاتل الأبارتهايد في بلاده جنوب أفريقيا “لو وقفت محايدا في مواقف الظلم، فإنك اخترت جانب الظالم/ المضطهد”.
وأضاف أن بي بي سي اختارت الوقوف في السياسة التحريرية والتغطية الإخبارية لإسرائيل وفلسطين وعلى مدى عقود مع المضطهد، وفي كل الأحيان لم تلتزم بالنزاهة التي تزعم المؤسسة أنها الصخرة التي تقوم عليها الصحافة.
اختارت مؤسسة البث الرسمية البريطانية وبشكل منتظم لغة ومصطلحات أثرت على المستمعين والمشاهدين وخدعتهم
وبدلا من ذلك اختارت مؤسسة البث الرسمية وبشكل منتظم لغة ومصطلحات أثرت على المستمعين والمشاهدين وخدعتهم. وضاعفت الممارسة الصحافية السيئة بحذف أجزاء من السياق خوفا من تقديم إسرائيل في صورة سيئة. وكان تحيز بي بي سي الذي يثير الرعشة في الجسد هو تكرار لدعم المؤسسة البريطانية لإسرائيل، كحليف مدجج بالسلاح يستعرض المصالح الغربية في الشرق الأوسط الغني بالنفط، ظاهرا مرة أخرى في الطريقة التي غطت فيها العنف في المسجد الأقصى.
هذا في وقت كانت فيه منصات التواصل الاجتماعي حافلة بالصور ولقطات الفيديو عن الشرطة الإسرائيلية المسلحة التي داهمت مجمع المسجد الأقصى المقدس للمسلمين الصائمين. وشوهدت الشرطة وهي تدفع المصلين السلميين بمن فيهم رجال مسنون كانوا يصلون ودفعتهم عن سجاداتهم وأجبرتهم على مغادرة المكان. وفي حالات أخرى، أظهرت لقطات للشرطة وهي تضرب مصلين في داخل الأقصى الذي أطفئت الأنوار في داخله، وكانت صرخات النساء واضحة.
ويتساءل كوك “ما هي مشكلة الإذاعة البريطانية وبقية الإعلام الغربي والتي تم تقطيرها في عنوان قصير لبي بي سي “اشتباكات تندلع في موقع مقدس متنازع عليه”.
ففي جملة من ست كلمات تقدم بي بي سي نفسها من خلال “الحيادية” المشكوك فيها والتي لا تعمل على الكشف وحتى التغطية بل وخداع المشاهدين كما حذر توتو، والوقوف مع المضطهد. ورغم إضافة لقطات الفيديو والصور فيما بعد على موقع بي بي سي نظرا لردة الفعل الحادة على وسائل التواصل الاجتماعي إلا أنها لم تمرر حس الهجوم غير المبرر أو سببه الخبيث، وبرز ذلك في تغطية بي بي سي.
وعندما تطلق الهيئة على ما حدث “اشتباكات” في الأقصى، فإنها تتحدث عن مواجهة عنيفة بين طرفين: “الفلسطينيون الذين تصفهم إسرائيل -ورددت بي بي سي كلامها- بالمحرضين، والقوات الإسرائيلية التي تفرض القانون والنظام من جهة أخرى”.
وهذا هو السياق الذي يجب أن يضرب فيه المصلون الفلسطينيون حسب بي بي سي. وتم تعزيز الرسالة بوصف الهيئة “اعتقالات” مئات المصلين الفلسطينيين، وكأن وجود قوات احتلال ذات نزعة للحرب هو فعل حياد وتقوم بتطبيق القانون بمهنية ومساواة.
وقال إن استخدام الهيئة كلمة “اندلاع” تقترح أن “المواجهات” هي قوة طبيعية مثل الهزات الأرضية والبراكين، لا تستطيع إسرائيل التحكم بها. وتبدو وكأنها تتعامل مع حدث لوقفه.
كما أن الإشارة للأقصى بأنه منطقة “متنازع” عليها يقدم سياقا زائفا لشرعنة عنف دولة إسرائيل، فالشرطة الإسرائيلية مضطرة لأن تنتشر في المسجد الأقصى، لأن مهمتها تهدئة الطرفين من “التنازع” على المكان والتسبب بالضرر لبعضهما البعض أو تدمير المكان نفسه. وتدعم بي بي سي كل هذا بالاستشهاد وبدون نقد أو ما يحزنون ببيانات الشرطة الإسرائيلية التي تقول إن وجود الفلسطينيين في الأقصى هدفه “العبث بالنظام العام وتدنيس المسجد”، والمعنى هو أن الفلسطينيين يدنسون المسجد الذي يصلون فيه بدلا من الحديث عن تدنيس الشرطة له بمداهمته وتعطيل العبادة فيه بالعنف.
ويرى الكاتب أن الطريقة التي أطرت فيها بي بي سي ما جرى غير معقولة حتى لأي صحافي مبتدئ في القدس. وتفترض أن الشرطة الإسرائيلية هي مجرد محكم أو وسيط في الأقصى، وتعمل بإخلاص على تنفيذ القانون، مع أنها ولعقود عدة لعبت دور المحرض، وبعثتها “الدولة اليهودية” المعلنة من جانب واحد لتشويش الوضع القائم وسيطرة المسلمين على الأقصى.
وتكرر المشهد مرة ثانية هذا الأسبوع عندما أطلقت الشرطة الرصاص المطاطي والغاز المسيل للدموع على آلاف المصلين الذين كانوا يصلون، وتبنت بيانات الولايات المتحدة نفس الحيادية المشكوك فيها كبي بي سي بالدعوة “للهدوء” و”خفض التوتر”.
ويعلق الكاتب أن المسجد ليس “متنازعا عليه” إلا في مخيلة المتطرفين الدينيين اليهود، وبعضهم في الحكومة الإسرائيلية وبعض الصحافيين الجبناء، رغم أنهم يعتقدون أن المكان هو بقايا معبدين دمرا تحت جبل حيث بني الأقصى. وبحسب التقاليد الدينية اليهودية، فإن الحائط الغربي يعتقد أنه جدار من المعبدين المدمرين وهو مكان صلاة لليهود. وبناء على التقاليد الحاخامية اليهودية فإن الساحة حيث يقوم الأقصى تظل محظورة على اليهود.
وفكرة “التنازع” على الأقصى هي اختراع مجرد من دولة إسرائيل تدعمه مجموعة من الحاخامات المستوطنين المتطرفين ويقومون باستغلال فكرة “التنازع” من أجل تأكيد السيادة اليهودية على قطعة مهمة من الأراضي الفلسطينية المحتلة.
ويعلق كوك أن الهدف ليس اليهودية، بل وتجريد الفلسطينيين من أهم رمز وطني عزيز عليهم، وأساس دينهم ورابطتهم العاطفية لأرض أجدادهم ونقل الرمز إلى دولة تزعم أنها تمثل الشعب اليهودي.
وعليه، فتكرار مقولة الأقصى “المكان المقدس المتنازع عليه” هو تكرار للنقاط التي تنشرها إسرائيل، كما تفعل بي بي سي وتغلفها بغلاف الحيادية.
والحقيقة أنه لم تكن هناك “اشتباكات” ولا “اندلاع” ولا “تنازع” لو لم تختر الشرطة الإسرائيلية مداهمة الأقصى في وقت كان فيه الفلسطينيون يصلون في الشهر المقدس. ولم يكن هناك “اشتباكات” لو لم تفرض الشرطة الإسرائيلية احتلالا دائما على الأراضي الفلسطينية في القدس والتي تعدت بقوة أكثر على منافذ المسلمين إلى السيطرة الكاملة على الأقصى.
ولم تكن هناك “اشتباكات” لو لم تتلق الشرطة تعليماتها من الوزير الأكثر تطرفا من وزراء الشرطة إيتمار بن غفير والذي لا يخفي مواقفه من أن الأقصى يجب أن يكون تحت السيادة الإسرائيلية. ولم تكن هناك “اشتباكات” لو لم تؤكد الشرطة الإسرائيلية وبشكل فاعل على مدى السنين الماضية ضرورة قيام المستوطنين المتدينين اليهود بخلق وقائع على الأرض وتقوية الأجندة الإسرائيلية المتطورة حول “الحقوق المتساوية” في المكان، تماما كما فعلوا في الحرم الإبراهيمي في الخليل.
ولم تكن هناك “اشتباكات” لو لم يعِ الفلسطينيون خطط مجموعة يهودية هامشية تريد تدمير المسجد وبناء الهيكل مكانه، وباتت تحظى بدعم الساسة في إسرائيل والصحافة المتعاطفة معها.
الجيش الإسرائيلي والشرطة الإسرائيلية شبه العسكرية هما أهم وسيلتين لإخضاع الفلسطينيين في وقت تقوم فيه الدولة ومبعوثوها من المستوطنين بتهجيرهم ودفعهم إلى جيوب صغيرة
فالجيش الإسرائيلي والشرطة الإسرائيلية شبه العسكرية هما أهم وسيلتين لإخضاع الفلسطينيين في وقت تقوم فيه الدولة ومبعوثوها من المستوطنين بتهجيرهم ودفعهم إلى جيوب صغيرة، فهذا ليس “نزاعا”، والكلمة المحايدة تخفي وراءها ما يحدث في الحقيقة: فصل عنصري/ أبارتهايد وتطهير عرقي.
وكما أننا نستطيع اكتشاف نمط واضح لجرائم إسرائيل ضد الفلسطينيين نستطيع اكتشاف نمط مواز من التغطية المضللة عن إسرائيل وفلسطين في الصحافة الغربية.
فالفلسطينيون في الضفة الغربية يشردون على يد إسرائيل وبشكل منهجي من بيوتهم ومزارعهم ويدفعون إلى المدن المكتظة والفقيرة بالمصادر. وتم حرمان الفلسطينيين في غزة من الخروج للعالم الخارجي وحتى من التواصل مع بقية الفلسطينيين في حصار طويل وضعهم في قفص في الجيب الساحلي المكتظ والفقير من المصادر.
وفي البلدة القديمة بالقدس يتم تشريد الفلسطينيين بشكل مستمر من أجل مواصلة السيطرة الإسرائيلية على مصدرهم الديني الرئيسي: الأقصى، ومصدرهم القوي الديني ورابطتهم العاطفية للقدس سرق منهم.
ومن هنا فوصف أي من هذه العمليات التي عيرتها الدولة العنيفة بعناية للعالم الخارجي والقول إنها “اشتباكات”، تكون الصحافة ترتكب نفس الجريمة التي حذر منها توتو. فالأمر أبعد مما قاله الأسقف عن الوقوف مع الظالم، بل زيادة الظلم وتوفير قصة كغطاء له.
وهو ما عبرت عنه الخبيرة في الاحتلال الإسرائيلي في الأمم المتحدة، فرانسيسكا البانيز التي علقت في تغريدة على تغطية بي بي سي للعنف في الأقصى “تغطية مضللة تسهم في مساعدة احتلال إسرائيل الذي لا يردعه رادع ويجب شجبها ومحاسبتها”.
ويقول كوك إن الأسباب معروفة حول التغطية الصحافية السيئة، منها أن الصحافي يطلق ألفاظا غير صحيحة تحت ضغط اللحظة، ولكن هذه ليست مشكلة تواجه الصحافي الذي يغطي إسرائيل وفلسطين، فالأحداث قد تكون سريعة لكنها ليست جديدة أو لا يمكن التكهن بها، ووظيفة الصحافي هنا هي توضيح وشرح نفس القصة بشكل متواصل: تهجير إسرائيل للفلسطينيين وقمعهم ورد الفلسطينيين بالمقاومة. والتحدي أمام الصحافي هو تقديم حس لتنوعات القصة الإسرائيلية، سواء كانت تهجير الفلسطينيين عبر المستوطنات غير الشرعية وتوسيعها، وهجمات المستوطنين التي يدعمها الجيش، بناء جدران وأقفاص للفلسطينيين، الاعتقال التعسفي والمداهمات وقتل الفلسطينيين بمن فيهم الأطفال وتعزيز حس اليأس أو تدنيس المقدسات.
ويجب على أي واحد في بي بي سي أن لا يشعر بالمفاجأة مما حدث في الأقصى.
فرمضان هو شهر العبادة الذي يتدفق فيه المؤمنون كل عام ويتزامن هذه السنة مع عيد الفصح اليهودي كما حدث العام الماضي. وفي عيد الفصح يأمل المتطرفون بمداهمة الأقصى والقيام بذبح القرابين في محاولة لإحياء عهد ذهبي من اليهودية، وحاول المتطرفون هذا العام كما يفعلون كل عام، ولديهم بن غفير الزعيم لحزب القوة اليهودية الفاشي المتعاطف معهم. وهناك عنف المستوطنين ضد المزارعين الفلسطينيين وبخاصة في الخريف، موسم قطاف الزيتون، وهي أخبار معروفة بالمنطقة، وكذا القصف المتقطع لغزة وإطلاق القناصة النار على الفلسطينيين المحتجين على أوضاع السجون، وهي سلسلة لا تنتهي من الأحداث التي كان لبي بي سي خبرة عقود فيها لكي تفهمها وتبحث عن طرق أفضل لتغطيتها.
والمشكلة ليست في الصحافي أو المراسل أو خطئه بل الاختيار التحريري الذي يجعل المؤسسة البريطانية تحرف تقاريرها بنفس الاتجاه، وبطريقة تصور إسرائيل كفاعل قانوني يحاول متابعة القانون وأهداف منطقية في وقت تقدم فيه المقاومة الفلسطينية كنوبات غضب لا يمكن السيطرة عليها وتدفعها دوافع معاداة اليهود وليس الدولة المضطهدة إسرائيل.
ووسع توتو حديثه عن الوقوف مع الظالم حيث قال “لو كنت فيلا دست بقدمي على ذنب فأر، وقلت إني محايد، فلن يرضى الفأر بهذه الحيادية”.
وفي هذا الأسبوع كشفت القناة الـ 12 الإسرائيلية ما دار بين بن غفير وكوبي شاباتاي قائد الشرطة عن “العقلية العربية” وأن العرب “يقتلون بعضهم البعض، هذه هي طبيعتهم وهذه هي عقلية العرب”. وما يفهم من كلام الشرطة التي فشلت في حل مشكلة الجريمة في المجتمعات العربية داخل إسرائيل هي أن العقلية العربية منحرفة ومتعطشة للدم وأن القمع الوحشي الذي شاهدناه في الأقصى هو كل ما يمكن للشرطة عمله لممارسة حد أدنى من السيطرة.
وفي الوقت نفسه يؤمن بن غفير أن ميليشيا مسلحة منفصلة عن الشرطة هي الكفيلة بقمع المقاومة الفلسطينية. وبات زعران الشوارع من المستوطنين لديهم أزياء يرتدونها ورخصة رسمية للعنف الذي يقومون به ضد العرب.
وهذا هو السياق الحقيقي الذي لا تريد بي بي سي أو الصحافة الغربية الاعتراف به عندما غطت مداهمة الشرطة الإسرائيلية للأقصى هذا الأسبوع، وهو نفس السياق الذي يدعم التوسع الاستيطاني والمداهمات الليلية وأكثر من هذا. ودعاة التفوق اليهودي يدعمون كل فعل تقوم به دولة إسرائيل ضد الفلسطينيين والمدعوم ضمنيا من الدول الغربية وصحافتها خدمة للاستعمار الغربي لمنطقة الشرق الأوسط الغنية بالنفط.
ولم تكن تغطية بي بي سي هذا الأسبوع، كما هو الحال في الأشهر والسنوات الماضية، محايدة أو حتى دقيقة. وكانت كما حذر توتو حيلة ثقة تعمل على تهدئة الجماهير للقبول بالعنف الإسرائيلي وتبريره وتصوير المقاوم الفلسطيني بالبغيض.