أحدث الأخبار
الخميس 28 آذار/مارس 2024
1 2 3 4961
صحافة : ميدل إيست آي: الصراع بين السلفيين المداخلة والإسلاميين سيترك آثاره على ليبيا!!
20.05.2020

في تقرير نشره موقع “ميدل إيست آي” في لندن للباحثة في كلية كينغز كوليج، أليسون بارتغر، قالت فيه إن معركة على هامش الصراع بين حكومة الوفاق الوطني والجنرال خليفة حفتر قد تترك أثرها لاحقا على النسيج الإجتماعي الليبي وربما اسهمت في تفككه أكثر. وتحت عنوان “صعود المداخلة: في داخل الصراع على السيادة الدينية في ليبيا” كتبت قائلة إن معركة قاتلة تتخمر في غرب ليبيا وتتمثل في نشاطات السلفيين.
وفي 30 نيسان/ إبريل، قامت عناصر ثورية في مدينة الزاوية بإغلاق مكتب تابع لوزارة الأوقاف والشؤون الدينية قسرا. وبعد أيام فعلت جماعة مماثلة نفس الأمر في بلدة الخمس وبعده بيوم في مدينة زليطين وعدد آخر من مدن الغرب الليبي. وجاءت هذه الممارسات نتيجة لظهور المفتي الأكبر محمد صادق الغرياني في حلقة تلفازية يوم 29 نيسان/ إبريل حيث هاجم فيها الأوقاف واتهمها بدعم “العدو” وتقليد “طريقة المداخلة”.
وكان الغرياني يشير إلى سلفيين يتبعون تعاليم الشيخ السعودي ربيع بن هادي المدخلي أو كما يطلق عليهم أعداؤهم بالمداخلة، واتهم المفتي التيار الديني هذا بكونه فرعا للمخابرات السعودية. وهذه ليست المرة الأولى التي يتهم فيها الغرياني هذه الجماعة، فهو ومن يدعمه في معركة للسيطرة على المجال الديني في ليبيا منذ ثورة 2011. إلا أن الخلاف بين الطرفين أصبح حادا بدرجة عالية وتقاطع مع النزاع الذي تشهده ليبيا، وقد يكون الصراع كما تظهر الحوادث الأخيرة قاتلا.
وتقول الكاتبة إن السلفيين وسعوا من نشاطاتهم وحضورهم في كل أنحاء ليبيا منذ عام 2011 حيث سيطروا على مساجد وافتتحوا مدارس ومؤسسات إعلامية. وقدر أحد سكان الزاوية أن السلفيين يسيطرون على 90% من المساجد. وبحسب مسؤول في المؤسسة الدينية بالعاصمة فإن السلفيين يسيطرون على مساجد مناطق بكاملها في العاصمة ويتحكم شيوخها وبشكل كامل بها. ومع أن السلفية حركة لا تتدخل في السياسة إلا أن الكثير من أتباعها انضموا إلى طيف من الجماعات المسلحة والأجهزة الأمنية التي تشكل حكومة الوفاق الوطني. وقال المسؤول “لقد سيطروا على مصراتة وصبراتة والزاوية وزيليطن والخمس، وانتشروا في المجال الأمني. وتجدهم في أجهزة التحقيق الجنائية وقوات الردع المسلحة وغير ذلك”. وبهذه المثابة فلديهم حضور في كل المجال الديني والأمني. وأدى صعود هذا التيار الايديولوجي بكل أطيافه وتمظهراته إلى غضب الإسلاميين خاصة جماعات الإسلامي السياسي من الإخوان المسلمين إلى الجماعات الأكثر تطرفا.
ورغم أن معسكر الإسلام السياسي غير موحد مثل التيار السلفي إلا أنه شهد هزائم في مناطق مثل بنغازي ودرنة وتقلص حضوره فيها ولهذا فهو يواجه تحد كبير في منطقة الغرب. وكان استعداد حكومة الوفاق الوطني فتح المجال أمام قوات ميالة نحو التيار السلفي للقتال في صفوفها، خاصة قوات الردع الخاصة محل قلق من الذين يتبعون المفتي العام. وقامت هذه القوة باعتقال عدد من الأشخاص المرتبطين بالمفتي ومتورطة في اختطاف وقتل مسؤول الإفتاء عام 2016 الشيخ نادر العمراني.
وزاد قرار حكومة الوفاق عام 2018 تعيين شيخ سلفي هو محمد أحميدة العباني كمسؤول للوقف من مظاهر هذه القلق. وحل العباني محل عباس القاضي، حليف الغرياني والذي أجبر على الإستقالة بعد اتهامه بالفشل في تنظيم الحج. وكان تعيين العباني القشة الأخيرة التي أكدت للإسلاميين السياسيين صعود السلفيين في حكومة طرابلس. ونقل الموقع عن داعم للغرياني في دار الإفتاء بطرابلس أن تعيين العباني كشف عن قوة السلفيين الدينية والأمنية.

وبعد تعيينه بدأ العباني بتغيير صورة المؤسسة الدينية في غرب ليبيا حيث استبدل أئمة وخطباء ومسؤولين في الأوقاف بآخرين من أصحاب الميول السلفية. وفي مصراتة التي يظل فيها الحضور السلفي ضعيفا عزل عباني الشيخ الصوفي أحمد الكوت من إدارة الوقف وعين بدلا منه محمد ساسي الشركسي، الذي قام بالسيطرة على المكتب بالقوة بعد الإعتراض على تعيينه.
وفي الزاوية التي يعتبر فيها التيار السلفي قويا تشهد المدينة معركة للسيطرة على الأوقاف بشكل اصبحت مكتبين في المدينة. وفي أيار/ مايو اعترف عباني بالمكتب الذي يديره السلفي أحمد شيدي مما أثار مدير المكتب الآخر الذي يديره المتشدد عبد الزراق بشتي الذي اتهم المداخلة باختطاف الوقف. ومع أن الصراع أيديولوجي بطبيعته إلا أنه مرتبط بمجالات اخرى، إن أخذنا بعين الاعتبار الامتيازات والمنافذ للمال المرتبط بهذه المناصب. وكما وصف موظف مدني الأمر “لدى الأوقاف أراض واسعة وأموال. والسيطرة على الوقف يعني السيطرة على مصادر مالية واسعة. وهناك فرصة مربحة مثل الجلوس في مجالس المصارف والمؤسسات المالية خاصة التي تقدم خدمات مالية حسب الشريعة الإسلامية والتي تقوم وزارة الأوقاف بترشيح أشخاص لها. ولهذا السبب لم يستطع تيار الإسلام السياسي هضم تعيين عباني وطالب أفراده مرار بعزله من منصبه. وطالب التجمع الوطني لعلماء ومشايخ ليبيا المقرب من المفتي بعزله. كما وحاول الغرياني تأكيد التزام أتباعه بالمذهب المالكي المتبع في معظم شمال أفريقيا مقدما نفسه على أنه الحامي للمصالح الليبية ضد “أيديولوجية مستوردة” يتبعها المسؤولون في الأوقاف. وقال مسؤول في دار الإفتاء أن سكان الزاوية وخمس وزليطين عبروا عن فرحتهم عندما تم سيطر المذهب المالكي وطرد المداخلة.
وترى الكاتبة أن سلسلة الانتصارات التي حققتها حكومة الوفاق في غرب ليبيا واستعادتها عدد من المدن ما أعطى العناصر الثورية المبرر لمهاجمة مكاتب الأوقاف وإغلاقها. فانتصار حكومة طرابلس في صبراتة وصرمان التي سيطرت عليها جماعات سلفية موالية للجنرال حفتر، وشعرت هذه العناصر بالجرأة للتحرك وإغلاق المكاتب باسم “طرد العناصر الدخيلة”. لكن عمليات السيطرة على مكاتب الأوقاف ليست منفصلة عن السياسة. فالسلفيون يمثلون منظورا مقلقا لتيار الإسلام السياسي ويشكلون مع قبائل الشرق الليبي جوهر جيش حفتر. واستطاعوا هزيمة منافسيهم الإسلاميين في الشرق. وعبر هذه العلاقة كان باستطاعة السلفيين السيطرة على المجال الديني في الشرق حيث اداروا المؤسسات والمعاهد الدينية واستطاعوا فرض تفسيرهم الديني. وكان السلفيون اداة جيد بيد حفتر حيث فتحوا له الباب، خاصة كتيبة المشاة 604 في السيطرة على مدينة سرت في عام 2020. وشكلت الفرقة من عناصر سلفية داخل سرت قاتلت في الماضي مع قوات مصراتة المتحالفة مع حكومة الوفاق الوطني في المعركة لاستعادتها من مقاتلي تنظيم “الدولة”. وبعد استعادتها تعاونت الكتيبة السلفية مع حكومة الوفاق لكنها غيرت ولاءاتها عندما تقدمت قوات حفتر التي دخلت دون أي مقاومة. ولهذا السبب يخشى الإسلاميون من السلفيين الذين يعتقدون انهم طابورا خامسا ينتظر الفرصة لتسليم المنطقة إلى حفتر. وقال مسؤول مقرب من الغرياني “حفتر يتوسع غي منطقتنا بطريقين: المال السعودي والمداخلة” ويضيف أن قوات حفتر مكونة من القبائل والمجرمين والمداخلة وهؤلاء هم الأخطر بسبب عقيدتهم. واتهم بشتي في أيار/ مايو السلفيين ببذر بذور الفتنة في الزاوية أما من أغلقوا مكتب الأوقاف في الخمس فقد اتهموا الشخص المعين بدعم العدو وأعلنوا رفضهم للتيار الدخيل. ورغم الإتهامات فلم يظهر السلفيون في الغرب أي ميل لدعم الجيش الوطني التابع لحفتر. ومع أن بعض الأفراد عبروا صراحة عن دعمهم لحفتر مثل الشيخ الزنتاني طارق درمان إلا أن المعظم إما دعم الحكومة أو بقي على الحياد. وكان عباني واضحا في دعمه لحكومة الوفاق التي أشار إلى البيانات التي أصدرها باعتبارها الحكومة الشرعية. واتهم الغرياني بأن يخلط بطريقة غير موفقة بين العناصر الموالية لحفتر وتقاتل معه بالشباب والموظفين العاملين في الأوقاف. وأكد من طردوا من مكاتب الزاوية وزليطين حيادهم وعدم انتمائهم لاي تيار ديني. وهذا لا يعني عدم وجود جماعات سلفية تريد أن ينتصر حفتر. وقال شخص مقرب من السلفيين “بعض السلفيين في الزاوية يفضلون حفتر على الميليشيا التي تسيطر على المدينة ويستخدمون منبر المسجد للدعوة إلى الجهاد مع الجيش الوطني”. كل هذا لا يعني أنهم يريدون الانضمام إلى حفتر ولكنهم لن يعارضوا لو سيطر على المدن.
وتقول الكاتبة إن عادة الإسلاميين في وضع منافسيهم الدينيين في سلة واحدة مع المداخلة وأنهم حصان طروادة تعتبر لعبة خطيرة، وبالتأكيد فالصراع يحمل معه مشاكل جديدة وقد يزيد من التوتر أكثر. ومعظم مدن الغرب منقسمة بين التيارين وهناك مخاوف من أن يخرج الصراع عن حرب الكلام والسيطرة على المساجد إلى حرب مفتوحة بالسلاح. وهناك توتر في مصراتة حيث اتهمت جماعة تطلق على نفسها شيوخ وأعيان مصراتة في 17 أيار/ مايو بتهميش أهل السنة وطالبت بإحالته على التحقيق لنشر الكراهية. ويمكن أن ينتشر هذا النوع من التحريض إلى العاصمة حيث لدى كل منهما جماعات مسلحة. ومع أن ما يجري هو مجرد عرض جانبي لما يجري بين حكومة الوفاق وحفتر إلا أن المعركة للتسيد الديني في ليبيا قد تزيد مما يخلق خطوط صدع جديدة في الفضاء المتشرذم أصلا.