أحدث الأخبار
الخميس 28 آذار/مارس 2024
1 2 3 4961
صحافة : نيويورك تايمز: أربع سنوات من سياسات ترامب التعاقدية.. نجاحات تطبيع ورفض فلسطيني وفشل في إيران!!
13.10.2020

في تقييم للسياسة الخارجية للرئيس دونالد ترامب في الشرق الأوسط، نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” تحليلا قالت فيه إن تجاهل ترامب بديهيات السياسة بالمنطقة حقق له اختراقات ونتائج عكسية مع أنه حصل في بعض الحالات على ما يريده. وفي التقرير الذي أعده كل من ديفيد هالبفينغر وبن هبارد وفرناز فصيحي قالوا فيه إن ترامب نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، متجاوزا تحذيرات من قالوا إنه سيشعل العالم الإسلامي. ثم خرج من الاتفاقية النووية مع إيران وقتل أكبر قيادي عسكري، متحديا من قالوا إن هذه التحركات ستقود إلى حرب. وأخيرا رعى اتفاقيات دبلوماسية بين إسرائيل والدول العربية، متجاوزا من قالوا إن هذه المعاهدات لا تتم قبل تحقيق السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين. ومرة بعد الأخرى تبنى ترامب منحنى قاسيا في منطقة متقلبة شغلت الرؤساء من قبله، وتجاوز التفكير التقليدي أو حاول الوفاء بوعود قطعها على نفسه لأنصاره في الحملة الإنتخابية. وفي كل الحالات لم تظهر الكوارث التي تم التنبؤ بها بل وإنجاز بنتائج ملحوظة. فالمعاهدات التي رعتها إدارته ضاعفت من عدد الدول العربية التي عقدت اتفاقيات تطبيع مع إسرائيل، فيما أزاح مقتل القيادى الإيراني شخصية عسكرية كانت تدير شبكة خطيرة بالمنطقة.
وبالنسبة لخطوة نقل السفارة سواء كانت صوابا أم خطأ ترددت الإدارات السابقة عن اتخاذها رغم دعمها لها. ومع ذلك كان للخطوات الجريئة هذه جوانبها السيئة: فقد أدت لاستئناف إيران برنامجها النووي وزادت من عمليات تخصيب اليورانيوم. وقضى اغتيال الجنرال قاسم سليماني على أية فرصة للتفاوض على اتفاقية نووية أفضل من تلك التي وقعتها إدارة باراك أوباما مع طهران. وتبدو فرص حل القضية الفلسطينية بعيدة جدا. ولم تحصل إدارة ترامب على مردود من هداياها السياسية التي قدمتها لإسرائيل والسعودية. وتصف الصحيفة أن نهج ترامب في الشرق الأوسط قام على تعامله معه كتاجر وليس سياسيا، فهو يهدد حالة ما وجد هناك داع للتهديد. ويلوح بالفرص والحوافز وينتهز الفرصة لو توفرت. واستطاع هذا النهج التعاقدي المتشتت إحراز نتائج لم تحققها الدبلوماسية العادية ولكنه فشل في إقناع الفلسطينيين التخلي عن أمالهم الوطنية والإيرانيين عن أيديولوجيتهم. ونظرا لعدم وجود استراتيجية ذات معنى فقد ضيع ترامب فرصا بطريقة من هزم نفسه. وسمح لتركيا بمهاجمة الأكراد في سوريا وعزز من الشق بين الحلفاء الخليجيين أنفسهم، وهو الخلاف الذي عرقل جهوده لاحتواء إيران.
ونظرا لتركيزه الكبير على مساعدة إسرائيل ومهاجمة إيران فإنه تبنى نهج عدم التدخل في الحرب الأهلية السورية واليمن وليبيا والتي لا تزال دولا محطمة وخطيرة. وفي مقابلة مع مستشار وصهر الرئيس جاريد كوشنر قال فيها إن إدارة ترامب بحثت عن “استقرار جوهري” في الشرق الأوسط من خلال الترويج لقبول الدول العربية لإسرائيل. وهو ما سيقلل الإرهاب والمخاطر على الجنود الأمريكيين ودافع الضريبة الأمريكي ويضع المنطقة “على طريق الإستقرار”. وقال إن الرئيس تبنى مدخلا براغماتيا الذي يقوم “على تحديد الأهداف التي نريد تحقيقها- تحديد وجهة نجمة الشمال- ثم العمل بجد لتحقيقها”. ومن أهم أهداف ترامب هي هزيمة التطرف الإسلامي وتركيع إيران والتوصل إلى الإتفاقية الكبرى بين الإسرائيليين والفلسطينيين. واستطاع خلال رئاسته الأولى هزيمة تنظيم “الدولة” الذي تراجعت عملياته ضد الغرب، مع أنه لا يزال قوة في العراق وسوريا وغرب أفريقيا. أما عن بقية الأهداف فقد رفض الفلسطينيون خطة ترامب ولا أمل في إنعاشها. وزادت إيران من معدلات تخصيب اليورانيوم بحيث قربها من انتاج السلاح النووي. ولا تزال الجماعات الموالية لها في العراق تستهدف المصالح الأمريكية هناك وتطلق الصواريخ على السفارة ببغداد التي هددت واشنطن بإغلاقها.
وركز ترامب على صفقات السلاح متجاوزا موضوع حقوق الإنسان ووقف مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بعد جريمة قتل الصحافي جمال خاشقجي. واستمر في دعمه العسكري للحرب في اليمن. وفي ذات الوقت تخطط الإدارة لبيع مقاتلات أف-35 للإمارات العربية المتحدة بشكل قد يفتح المجال أمام سباق تسلح بالمنطقة.
ويقول الخبراء إن تركيز ترامب على فكرة “صانع الصفقات” تجاهلت كل المشاكل التي تسبب النزاع في المنطقة باستثناء العامل الاقتصادي. وتقول لينا الخطيب، الخبيرة بالشرق الأوسط في تشاتام هاوس “الشرق الاوسط ليس بازارا” و “محاولة حل مشاكله عبر التعامل معه بهذه الطريقة لا تعمل”.
وترى الصحيفة أن النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني الذي يعتبر من أكبر مظاهر فشل ترامب سيترك أثره الدائم. فقد كان راغبا بالنجاح حيث فشل غيره من الرؤساء ورحب بالفلسطينيين الذين ظلوا يشتكون من تجاهلهم. ولكنه قام وسريعا بتخييب أملهم ونقل السفارة الأمريكية إلى القدس وهو قرار لا يمكن التراجع عنه لاي إدارة بعده. ومع أن الانتفاضة لم تحدث كما توقع الكثيرون إلا أن الفلسطينيين قاطعوا إدارته. ورد بالضغط عليهم وقطع المعونات عنهم وأغلق بعثتهم الدبلوماسية في واشنطن والقنصلية الأمريكية بالقدس المخصصة لمصالحهم. وعندما أعلن عن خطته للسلام بعد طول انتظار بدا وكأن الشخص الذي كتب مسودتها هو رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، فقد تجاهلت المطالب الفلسطينية الرئيسية وشجعت إسرائيل على ضم الأراضي الفلسطينية المحتلة. ورفضها الفلسطينيون بأقسى العبارات. وكان الضم الذي عارضته المعارضة في إسرائيل مفتاحا لدولة الإمارات العربية المتحدة لتطبع علاقاتها مع إسرائيل، حيث أخرج العلاقات من السر إلى العلن وشجع دولة البحرين الصغيرة لعمل نفس الشيء. وما دفع الإمارات للحضن الإسرائيلي هو الشعور لدى دول الخليج بتراجع الالتزام الأمريكي بالمنطقة وتردد ترامب عن معاقبة إيران بعد اتهام الأخيرة بالهجوم على المنشآت النفطية السعودية.
ويقول مارتن أنديك، السفير الأمريكي السابق في إسرائيل، “كان الإماراتيون يبحثون عن جهة يمكنهم الإعتماد عليها”، وكان الجواب هي القوة الكبرى بالمنطقة وهي إسرائيل. وبالنسبة للفلسطينيين كانت ضربة غير لطيفة لأنهم اعتمدوا على التضامن العربي لمنع حصول اعتراف كانت إسرائيل تحن إليه. وبالنسبة لترامب فقد تحول الإعلان عن التطبيع إلى مناسبة تسويق تجارية. وقال ديفيد فريدمان السفير الأمريكي في إسرائيل “كنا أذكياء وانتهازيين”. ويناقش كوشنر أن التطبيع الإماراتي والبحريني سيجبر في النهاية الفلسطينيين على القبول بالواقع “سيظلون متشددين طالما كان عندهم مصادر”. لكن قلة ترى أن خطة ترامب ستكون أساسا لمفاوضات مستقبلية ” لو كان لديك معايير تدعمها إسرائيل ويرفضها الفلسطينيون والعرب والأوروبيين فلن تظل قائمة”، حسبما يقول مايكل هيرتزوغ المفاوض السابق والزميل بمعهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى.
وركز ترامب معظم وقته على إيران التي وصفها بالمثير الأكبر والأخطر للمشاكل بالمنطقة. وفي الوقت الذي حاول فيه أوباما تقديم حوافز لإيران وتخفيف العقوبات عنها بشكل قاد إلى الإتفاقية النووية، إلا أن ترامب اعتبر الإتفاقية ميتة لأنها لم تشتمل على برامج الصواريخ الباليستية الإيرانية وسلوك طهران بالمنطقة ولأنها تسمح باستئناف التخصيب لليورانيوم بحلول 2030. ومن هنا استخدم الجزرة والعصا وبدأ حملة “أقصى ضغط” بهدف الضغط على مالية الجمهورية الإسلامية.
وفي كانون الثاني/ يناير، استهدف ترامب تأثير إيران بالمنطقة واغتال الجنرال سليماني. وأدى القرار لتنفير الحلفاء الغربيين لكنه حصل على دعم كبير من إسرائيل والسعودية والإمارات التي سخطت على أوباما لتفاوضه مع عدوتها. ويقول المحلل الإماراتي عبد الخالق عبد الله إن ترامب “لوح لإيران بالعصا الطويلة التي تستحقها”. وقال إن سليماني كان “العدو رقم 1 لعدد كبير من الدول”. وأدت العقوبات المالية وحظر تصدير النفط إلى خنق الاقتصاد وفقدان العملة الإيرانية نسبة 50% من قيمتها أمام الدولار. لكن القيادة الإيرانية التي اعترفت بأثر الحملة لا تزال رافضة لترامب. وقال ولي ناصر، الخبير بإيران والمسؤول السابق في الخارجية الأمريكية، “لم يحصل على ما يريد ولم يغير النظام ولم يجبر إيران على الإنسحاب من المنطقة وأثر على وضع المعتدلين في إيران”. ويقول ترامب وحلفاؤه إن سياسته أثرت على قدرة إيران توفير الدعم لجماعاتها الوكيلة بالمنطقة خاصة حزب الله اللبناني. وخففت إيران من نشاطاتها بالخليج فيما يرى المسؤولون الأمريكيون أنها نتاج لسياستهم. لكن الإيرانيين يقولون إنهم لا يريدون مساعدة ترامب في الحملة الإنتخابية. ويقول كوشنر إن سياسة ترامب أعطت الولايات المتحدة وضعا قويا “على طاولة المفاوضات وإيران هي دولة مفلسة” و”الهدف هنا ليس عقد صفقة ولكن الهدف هو تحضير الطاولة لعقد صفقة” إلا أن منظور المفاوضات بعيد. وقال الساسة الإيرانيون إن مقتل سليماني يمنع القادة من الحديث مع ترامب. وقال السياسي الإصلاحي إبراهيم أصغرزاده “حتى لو اعيد انتخاب ترامب فسيكون مستحيلا” التفاوض معه.
ومهما كان الفائز في انتخابات تشرين الثاني/ نوفمبر فقد أحدث ترامب تغيرات من الصعب على الإدارة المقبلة تجاوزها. وهناك إمكانية لاستمرار زخم التطبيع حيث تعتبر السعودية مرشحة. وربما حاولت الإدارة الأمريكية المقبلة استخدام عمليات التطبيع لتحفيز الفلسطينيين لكن هناك قلق في إسرائيل حول الكيفية التي سيرد فيها الفلسطينيون على تخلي العالم العربي عنهم. كما ويمكن للإدارة المقبلة استخدام مصاعب إيران كورقة ضغط ولكن ضمن أهداف أخرى. ومع ذلك تظل استراتيجية ترامب التعاقدية محدودة. ففي السودان رفض قادته الجدد التطبيع مع إسرائيل رغم الحوافز المالية الكبيرة لأن عملا كهذا سيعرضهم للخطر أمام شعبهم، كما يقول عوفر زالزبيرغ، مدير معهد هيربرت كيلمان.