أحدث الأخبار
الخميس 28 آذار/مارس 2024
1 2 3 41120
جزائريون يستقبلون العام الجديد من عمق الصحراء !!
25.12.2018

*الجزائريون يحتفلون باستقبال العام الجديد، فبعضهم يختار بقاعا في الصحراء الشاسعة كتمنراست وأدرار وآثار التاسيلي وغرداية، وآخرون يتخذون وجهات أخرى متعددة.
مع اتساع رقعة الصحراء الجزائرية، يختلف بعض الجزائريين في اختيار وجهتهم لقضاء عطلة رأس السنة، بعضهم يختار تمنراست بأقصى الجنوب، حيث توجد أعلى قمة جبلية في الجزائر والمناخ المعتدل نسبيا، وبعضهم يختار الجنوب الغربي قرب أدرار، حيث السياحة الدينية وأماكن الزوايا الصوفية، والبعض الآخر يكتشف سحر الطبيعة في تاغيت، وآخرون يفضّلون آثار التاسيلي في مناطق جانت وما جاورها، وهناك من يتوجهون إلى غرداية، وآخرون يتخذون وجهات أخرى متعددة.
الجزائر- مع اقتراب احتفالات أعياد الميلاد وبداية السنة الميلادية الجديدة، يستعد الكثير من السيّاح الجزائريين والأجانب للذهاب إلى عمق الصحراء في محاولة لاكتشافها كما لم يفعلوا من قبل.
يحرص عبدالرزاق محمودي من الجزائر العاصمة، وهو موظف متقاعد حديثا على اكتشاف الصحراء الجزائرية، فبعد أن اكتشف أدرار في سنوات سابقة، يستعد هذه المرة لقضاء ليلة رأس السنة في منطقة تمنراست.
يقول عبدالرزاق “منذ صغري كنت أحلم بالسفر، وكان السفر بالنسبة لي يعني التوجه نحو شمال المتوسط، ففي سنوات شبابي الأولى مع بدايات ثمانينات القرن العشرين اكتشفت الكثير من المناطق في أوروبا، لم يكن نظام التأشيرة حينها مفروضا علينا، وكانت كل التسهيلات تقدم لنا، فكان بإمكانك أن تأخذ جواز سفرك وتتجه صوب المطار وهناك تشتري العملة الأجنبية بسعر زهيد جدا وتحجز فورا لتتوجه إلى أوروبا. اكتشفت حينها إسبانيا والبرتغال وفرنسا وإيطاليا”.
يضحك ثم يواصل “كنا نتنقل جماعات في موسم جني العنب في إيطاليا، نعمل هناك في الحقول ونحصل على أموال معتبرة نصرفها في رحلاتنا ونعود محملين بهدايا ثمينة إلى البلد”. ويؤكد عبدالرزاق أنه لم يكتشف السياحة في الصحراء الجزائرية إلا في السنين الأخيرة، عندما ذهب مع صديقه إلى مدينة أدرار التي تبعد أكثر من ألف كيلومتر جنوب العاصمة.
ويستطرد بالقول “لم أكن أعتقد أن المنطقة ستسحرني وتغيّر وجهة نظري تماما إلا عندما اكتشفتها واكتشفت أماكنها الروحية المتعددة، مثل زاوية سيدي محمد بن لكبير الصوفية، وزاوية كونتا التي وجدت فيها خلوتي الروحية، وهناك استعدت هويتي وروحي واكتشفت نفسي من جديد. لقد اكتشفت الهدوء وسكينة الروح وتمكنّت من تجاوز أزمة منتصف العمر، وأنا الآن مستعد للذهاب في الطائرة إلى مدينة تمنراست (2000 كيلومتر تقريبا جنوب العاصمة الجزائر) لاكتشاف هذه المنطقة لأول مرة في حياتي”.
وتأتي منطقة تمنراست في مقدمة مناطق الجنوب الجزائري التي تحظى بأكبر عدد من السيّاح وفي مقدمتهم الأجانب الذين يحرصون على زيارتها طيلة فترات السنة وخصوصا مع قرب احتفالات رأس السنة الميلادية، ولعل الوجهة الرئيسية للكثير من السكان هي “مقام شارل دو فوكو” وهو راهب كاثوليكي فرنسي (1858-1916)، اكتشف منطقة التوارق مع بدايات القرن العشرين وقرر العيش هناك، وأخذ يتردد على أعلى قمة جبلية في المنطقة والجزائر ككل وهي قمة “أسكرام” وعاش وسط شعب التوارق وشاركهم أفراحهم وأتراحهم. ويتفاجأ الزائر لمنطقة تمنراست باعتدال الجو الذي يبقى كذلك طيلة أيام السنة وفي عز الصيف، حيث تلتهب مناطق أخرى حيث درجة الحرارة إلى درجة الخمسين مئوية، فالمنطقة جبلية تشكلت من براكين خامدة، وفيها أعلى قمم الجبال في الجزائر مثل قمة تاهات أتكور، وهي موطن شعب التوارق المعروفين بـ”الرجال الزرق” وهم من الشعوب الأمازيغية التي تمتد إلى ليبيا ومالي والنيجر وحتى شمال بوركينافاسو، وهم معروفون بموسيقاهم المميزة.
يقول رحيم علمي، وهو عازف على الغيتار في إحدى الفرق الموسيقية الهاوية، إنه اكتشف تمنراست انطلاقا من موسيقى “التيندي” التي اكتشفها في أحد مهرجانات الجزائر العاصمة، ويضيف “لقد سحرتني تلك الموسيقى وأخذت بعقلي وجعلتني أبحث فيها انطلاقا من الإنترنت وأصبحت أعزفها لأصدقائي، وبعدها قررت السفر إلى هناك لمعرفة موطنها الأصلي، ولم أجد أفضل من عطلة رأس السنة حيث تكثر الرحلات الجوية وبأسعار تحفيزية. ذهبت أولا رفقة أحد أصدقائي إلى مهرجان الأهقار بوسائلي الخاصة ودون دعوة وتمتعت حقا بموسيقى التوارق الرائعة واكتشفت المجتمع التوارقي عن قرب، وهناك وجدت الراحة التي كنت أبحث عنها طيلة حياتي”.
وأضاف “غير أن ما يؤسفني هو غياب الثقافة السياحية في هذه المنطقة والنقص الكبير في الخدمات الفندقية، وتمنراست لو كانت في بلد آخر لتحولت إلى قطب سياحي عالمي، فهي بوابة القارة الأفريقية، ومن يتوجه إلى مالي أو النيجر أو جنوب الصحراء لا بد أن يمر من هناك”. ومع ازدياد الاهتمام بالسياحة في الصحراء، تعمل السلطات الجزائرية على تشجيع الأمر والاستثمار فيه، من خلال التخفيضات المهمة في تذاكر السفر بالطائرة والتي تصل في بعض الأحيان إلى الخمسين في المئة، إضافة إلى إنجاز الطريق السيار شمال جنوب، فضلا عن إقامة مهرجانات فنية وثقافية كبيرة على غرار ‘المهرجان الدولي لفنون الأهقار’ بمدينة تمنراست الذي يستقطب مشاركين من دول أفريقية عديدة، ومهرجان ‘الأهليل’ بمدينة تميمون (ولاية أدرار)، وهو نوع موسيقي محلي صنّفته منظمة اليونيسكو ضمن التراث العالمي، والمهرجانان يقامان مع نهاية السنة الميلادية في كل مرة، ليكونا مناسبة ثقافية وسياحية في الوقت نفسه.
ورغم ذلك، يشتكي الكثير من السيّاح من غياب الوسائل الضرورية للراحة، منها نقص الهياكل الفندقية والبنى التحتية عموما”. يقول يوسف مكي، إنه اكتشف الصحراء صدفة فوقع في عشقها الأبدي، ويأسف لغياب الثقافة السياحية عموما، مؤكدا “رغم الحديث عن التسهيلات إلا أن تذكرة السفر من مدن الشمال إلى الجنوب تبقى غالية جدا، إضافة إلى تأخر الطائرة في كل مرة لأسباب غير منطقية؛ وهو تأخر قد يتجاوز يوما كاملا دون تقديم أي اعتذار وقد حدث ذلك أكثر من مرة، لكنه لا يقلل من
روعة الصحراء الجزائرية التي أرغب في اكتشافها الواحدة تلو الأخرى”. ويتابع “لقد اكتشفت مدينة تميمون صدفة في زمن موجة العنف الدموية في جزائر التسعينات، واكتشفت معها موسيقى الأهليل ومنطقة أدرار ككل وصحراء تنزروفت وهي منطقة قاحلة تنعدم فيها الحياة ويقال إن البكتريا لا تعيش فيها إلى درجة أن الذي يموت هناك لا تتحلل جثته، وقد قيل إن بعض العساكر من أيام الاحتلال الفرنسي اُكتشفت جثثهم هناك قبل سنين فقط دون أن تتحلل. كما اكتشفت منطقة رقان القريبة من هناك والتي عرفت التفجيرات النووية للاحتلال الفرنسي هناك والتي تشبه تفجيرات هيروشيما ونكازاكي الشهيرة، ولا تزال مأساة ضحاياها متواصلة إلى حد الآن دون تعويض من السلطات الفرنسية”.
ويأمل يوسف في اكتشاف كل مناطق الصحراء الجزائرية في كل مرة تتاح له الفرصة، وهو يقول إن الصحراء تحتفظ بأسرارها، ولكل منطقة منها خصوصيتها التي تفرّقها عن المناطق الأخرى. ورغم الحديث الرسمي عن تشجيع السياحة الصحراوية في الجزائر، يعمل القليل من الجزائريين على اكتشاف صحرائهم، ويبقى معظمهم مكدسين في مدن الشمال قبل أو عند الشريط الساحلي، والكثير منهم يحلم باجتياز الضفة الشمالية للمتوسط ولو عبر قارب من “قوارب الموت”.

1