أحدث الأخبار
الجمعة 19 نيسان/أبريل 2024
1 2 3 41121
تافيلالت مدينة صديقة للبيئة في صحراء الجزائر!!
05.04.2018

تافيلالت أول مدينة بيئية في الجزائر تحتوي على حوالي ألف منزل، وهي منازل متلاصقة وبارتفاع واحد ومبنية وفق هندسة معمارية محلية تم تطعيمها بوسائل الراحة العصرية.
بني يزقن (الجزائر) – على قمة صخرية بمنطقة ميزاب شمال الصحراء الجزائرية، ارتفع قبل عشرين سنة قصر تافيلالت، أول مدينة بيئية مبنية بطراز معماري متوارث منذ قرون.
وبدأت فكرة إنشاء هذه المدينة في العقد الأخير من القرن الماضي كبديل للمدن الإسمنتية التي انتشرت في كل مناطق الجزائر دون أي حياة اجتماعية، استجابة لأزمة السكن المزمنة.
وتم تشييد قصر تافيلالت بالاعتماد على الهندسة المعمارية التقليدية والقيم المتجذرة في المجتمع الميزابي (من الأمازيغ) مع الحفاظ على البيئة الهشة في المنطقة المشهورة بواحات النخيل.
هنا “يتعايش العصري مع الموروث من أجل الحصول على مدينة بيئية صالحة للحياة” كما يوضح مؤسسها أحمد نوح.
البيوت والمدن البيئية صارت حلما في زمن الحيطان والإسمنت المسلح والتلوث، في حين أن منازل أجدادنا بالأمس القريب كانت صديقة للبيئة غير مكلفة في طوبها وقشها وخشبها، منازل تحمي من حرارة الصيف وبرودة الشتاء، مدينة تافيلالت الجزائرية تجربة ناجحة تشجع على العودة إلى العمارة البسيطة مع بعض المرافق العصرية الضرورية
وأطلق أحمد نوح المشروع في 1997 بمشاركة مهندسين وخبراء ميزابيين. فأنشأ مؤسسة أمينول التي تؤدي دور المستثمر العقاري ومانح القروض دون فوائد، ما سمح للمتملكين الجدد دفع ثمن وحداتهم السكنية بالتقسيط على عدة سنوات.
واشترت المؤسسة 22 هكتارا من أرض صخرية تقع على بعد 600 كيلومتر جنوب الجزائر، بثمن بخس، رغم أنها تطل على قصر بني يزقن أقدم قصور المدينة.
والقصور عبارة عن قرى وأحياء تحيط بها أسوار كما اعتاد على بنائها سكان سهل ميزاب المصنف ضمن التراث العالمي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو).
وساهم أعيان من بني ميزاب بأموالهم الخاصة، وقدمت الدولة إعانات، كما شارك السكان الأوائل في أشغال البناء من خلال تقليد مشهور في الصحراء الجزائرية يدعى “التويزة”؛ وهو الاشتراك في العمل التطوعي. ويروي زرقون البكير (54 عاما) كيف اختار السكن في هذه المنطقة القاحلة قائلا “من كان يتخيل ذلك في سنة 1997؟ … كان يجب الإيمان بالمشروع ونحن آمنا به”.
وأغلب السكان من الرجال غير المتزوجين أو من الأزواج، فلا يمكن للمرأة العزباء التملك إلا إذا كان يعيش معها أحد والديها، فالمجتمع الميزابي محافظ جدا.
ويضم قصر تافيلالت حاليا حوالي ألف منزل، وكل المنازل مبنية وفق هندسة معمارية محلية تم تطعيمها بوسائل الراحة العصرية، فالبيوت متلاصقة وبارتفاع واحد، بحيث لا تزيد عن طابق أرضي وآخر علوي. وطُليت البيوت كلها بألوان الصحراء الطبيعية، وهي مزيج من الأصفر والأبيض المناسب لدرجات الحرارة الحارقة كما هو حال كل القصور في محافظة غرداية التي سبقت المعايير الحديثة للبناء الصديق للبيئة، أي الانسجام مع المحيط والبناء المستدام واقتصاد الطاقة والماء وتسيير النفايات وضمان الراحة في ما يتعلق بدرجة الحرارة والضجيج والمناظر.
ومدخل قصر تافيلالت باب عظيم من الخشب يؤدي إلى شوارع متشابكة ضيقة بحيث تكسر العواصف الرملية وتوفر الظل للمارة خلال أيام الصيف الصحراوي الحار جدا.
ويضمن تصميم المنازل “ألا يحجب أحد الشمس عن جاره”، كما أشار أحمد نوح، كما أن كل البنايات لا يزيد علوها عن 7.6 أمتار.
وكبديل عن الإسمنت المسلح الذي شوه واحة بني يزقن التي يعود تشييدها إلى ألف سنة، تم اختيار الحجر والجبس والجير، وهي مواد يسهل إيجادها في المنطقة وبأثمان بخسة إضافة إلى أنها توفر حماية جيدة من الحر والضجيج الخارجي.
أما النوافذ فهي من الخشب المشبك الذي يضمن خصوصية المنازل في هذه المنطة المحافظة ويوفر تهوئة طبيعية للشقق، ففي الصيف قد يصل الفرق في درجات الحرارة بين داخل البيت وخارجه إلى 5 درجات.
وتُعاد تصفية نصف كمية المياه المستعملة بتقنيات بيولوجية، كما أن جزءا من الإنارة العمومية للشوارع مصدره الطاقة الشمسية، إضافة إلى ذلك يقوم السكان بفرز نفاياتهم.
وجوهر المشروع هوالحفاظ على الموروث الثقافي للمجتمع الميزابي المبني على التعاون والتضامن وفقا لتعاليم المذهب الإباضي (الذي يشكل أقلية في الإسلام وينتشر خاصة في سلطنة عمان والجزائر) وهو مذهب الميزابيين.
وكانت هذه القيم ضرورية لبقاء المجتمع الميزابي في هذه البيئة الصعبة؛ فالعمل، وخاصة التويزة، واجب والتضامن يفرضه الالتزام الديني.
وتحكم قصر تافيلالت قوانين وقواعد تخص كل مناحي الحياة من حسن الجوار إلى حفلات الزواج، “فالحياة منظمة وفق ميثاق يوقعه كل السكان”، كما أوضح أحمد نوح.
وتفرض هذه القوانين الحفاظ على النظافة والمشاركة في كل الأشغال التي تخص المدينة؛ فكل أسرة تتكفل لمدة أسبوع بنظافة الحي الذي تقطن فيه، كما يشارك السكان في صيانة المساحات الخضراء.وخارج الأسوار التي تحيط بالمدينة أنشأ السكان حديقة لتعوض واحة النخيل التي عادة ما تجاور قصور غرداية لضمان حاجيات السكان، فكل قاطن في المدينة يغرس ثلاث أشجار، نخلة وشجرة مثمرة وشجرة للزينة، وعليه أن يسقيها ويحافظ عليها وفق معايير الزراعة البيولوجية دون استخدام أسمدة أو مبيدات كيميائية.
وتوجد في الحديقة بعض الحيوانات مثل الماعز والخرفان والقردة التي عادة ما يتم إطعامها مما يتبقى من طعام سكان المدينة. وتساهم الحديقة كذلك في تنمية الثقافة البيئية لدى شباب المنطقة. وحسب رأي كريم صديق -عضو مؤسسة أميدول- “نحن لم نخترع شيئا جديدا وكل ما فعلناه أننا أحيينا نظرة أجدادنا في حماية الطبيعة وعدم الاعتداء عليها”.

1