أحدث الأخبار
الجمعة 29 آذار/مارس 2024
1 2 3 41120
قابس مدينة تونسية تختنق بالتلوث الصناعي!!
12.08.2017

قبل سنوات كانت مدينة قابس المطلة على البحر المتوسط مدينة سياحية نظيفة تجمع بين البحر والواحات الساحرة، لكن هذه الميزة تلاشت بعد أن تمركزت المجموعة الكيميائية منذ تسعينات القرن الماضي، وأصبحت قابس ضحية تئن من التلوث.
قابس (تونس) - أمام مزرعة النخيل، يتدفق وحل أسود باتجاه البحر في قابس بجنوب تونس التي يريد سكانها اليوم مكافحة التلوث الصناعي المضر بهم منذ عقود.
ففي سبعينات القرن الماضي تمركزت المجموعة الكيميائية التونسية التي تستثمر مناجم الفوسفات بالقرب من شاطئ السلام وأمام واحة ساحلية، وهي حالة نادرة في العالم. وتقول السلطات إن وحداتها الإنتاجية تلقي يوميا 14 ألف طن من الفوسفوجبس في البحر، وإلى جانب هذا الطمي المضر بالبيئة، ينبعث من المصنع حمض الفوسفات في الجو.
وقال منصف بن عيادي، وهو نجار في الثانية والخمسين من العمر ويسكن في حي النزلة المتاخم للموقع الكيميائي “في الماضي كانت مدينتنا نظيفة، لكن منذ إقامة هذه الشركة أصبحت قابس مدينة ضحية”.
كثيرة هي المساوئ التي يعددها السكان؛ من التعب المزمن إلى المشاكل التنفسية وتدهور نوعية المياه والتربة والتنوع الحيوي المهدد، حتى أن بعضهم يؤكد أن هذا التلوث يقف وراء زيادة في الإصابات بالسرطان لكن السلطات تنفي ذلك.
وقال والي قابس منجي تامرن “حسب نتائج الدراسات التي أجرتها وزارة الصحة، ليست هناك علاقة سببية بين الأمراض مثل السرطان والربو، والتلوث الناجم عن المجمع الكيميائي”، لكن السكان يشككون في ذلك.
فصباح مؤمن (47 عاما) التي تملك مطعما شعبيا مقتنعة بأن الربو الذي تعاني منه ناجم عن التلوث. وقالت هذه السيدة التي توفي شقيقها بسبب إصابته بالسرطان قبل ثلاثة أشهر “في قابس لا أمل لدينا في العيش في بيئة نظيفة أو في تناول طعام سليم”.
وآثار التلوث في قابس باتت جلية للعيان منذ سنوات، فقد أضر بغابات النخيل ومس المائدة المائية وأصاب السكان بالاختناق.
ويؤكد أصحاب الغابات حجم الكارثة التي لحقت بنخيلهم وفلاحتهم عموما بفعل تأثير التلوث الكيمياوي على غابات النخيل والزراعات والبقول، فأحرقت الانبعاثات الغازية المنتوجات الفلاحية من فلفل ورمان وتمر، وهي أضرار جلية يمكن ملاحظتها، بالعين المجردة وما خفي من آثارها كان أعظم، على حد قول الفلاحين.
ويؤكد هؤلاء الفلاحون أن غابات النخيل كانت مورد رزق العديد من العائلات وكانت تجعل من قابس جنة على وجه الأرض يستظل بها المسافر وتدر على أهلها رزقا وفيرا من منتوج التمر. وتضافرت عوامل عديدة أدت إلى هجر فلاحي قابس لغاباتهم وزاد التلوث في الابتعاد عنها بعد أن أصبح منتوج النخلة غير مرغوب فيه، فلم تعد النخلة تغطي مصاريف صاحبها فاختار هجرها.
ويعرف عن خليج قابس الواقع على البحر المتوسط أنه يتمتع بثروة سمكية مهمة، لكن نشاطات استخراج الفوسفات وتحويله، وهي صناعة أساسية للاقتصاد التونسي، أدت إلى تلوثه. وبقي الحديث عن مسألة التلوث وتأثيره على حياة الناس والثروة البحرية والسياحة من المحرمات لوقت طويل.
ويقول خيرالدين دباية (32 عاما) العضو في حملة “أوقفوا التلوث” التي ينظمها سكان المدينة، إنه في عهد الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي الذي أطاحت به انتفاضة 2011 “كان الحديث عن الجرائم البيئية التي يرتكبها هذا المجمع محظورا بحجة أنه كان مصدرا للثروة الوطنية”.
ومع حرية التعبير التي تلت الثورة، نظم عدد من التحركات الاحتجاجية في قابس للمطالبة بوقف إلقاء النفايات ونقل المجمع. وفي حي بوشامة القريب من الموقع الصناعي، نصبت خيام أمام أحد مداخل الموقع.
وقال خالد حسنات (24 عاما) الذي كان يشارك في اعتصام أمام المبنى، وهو يشير إلى دخان أبيض كثيف ينبعث من وحدات الإنتاج، “الوضع كارثي. نعتبر ما يجري في قابس جريمة بيئية، الدولة فضلت مصالحها الاقتصادية على حساب صحة الناس”.
وتؤكد السلطات أنها تعي المشكلة، وفي نهاية يونيو أعلن رئيس الحكومة يوسف الشاهد تفكيك وحدات المجمع تدريجيا وإبداله بمنطقة “صناعية جديدة مطابقة للمعايير الدولية” في مجال البيئة.
وقال والي قابس “لم يكن سهلا إقناع مسؤولي المجمع الكيميائي ووزارة الطاقة لأن الحل مكلف”.
وسيحدد مكان المشروع الذي تقدر كلفته بحوالي أربعة مليارات دينار (1.4 مليار يورو) قبل نهاية ديسمبر. وفي حال احترمت الآجال، سيحتاج تفكيك الوحدات وبناء الموقع من جديد إلى أكثر من ثماني سنوات.
وأكد والي قابس “بهذا المشروع سيتحرر خليج قابس وشواطئها وخصوصا شاطئ السلام”، مؤكدا أنه يحلم “بمنطقة سياحية” حقيقية.
أما الناشطون فيشككون في ذلك، وقال خيرالدين من منظمة “أوقفوا التلوث”، “ليست هناك ضمانات. منذ سنوات اتخذت قرارات وقطعت وعود لكن لم ينفذ أي منها”.

1