أحدث الأخبار
الأربعاء 24 نيسان/أبريل 2024
1 2 3 41122
نازحون عراقيون يعيشون الهول في مخيم "الهول" السوري!!
02.07.2016

أسباب عديدة دفعت بالعراقيين إلى الفرار من منازلهم، فظلم داعش وسطوته القاسية لم يعودا يحتملان من قبل الكثيرين، والأعمال الانتقامية التي يقوم بها في المناطق التي يسيطر عليها دفعت بالعراقيين إلى خيار النزوح، غير أنّ سوريا لم تكن وجهة أيّ أحد منهم في البداية، لأنّها لم تكن أكثر أمانا من الموصل، ولكن بعد صعوبة التوجه نحو المدن العراقية الأخرى بسبب الحواجز والاشتباكات، وبعد تحرير البعض من المناطق الحدودية مع العراق في سوريا من تنظيم الدولة الإسلامية، أصبحت سوريا رغم نقص خدماتها وإمكانياتها وجهة للعراقيين الهاربين من بلداتهم ومدنهم، فهو خيار مرّ لكنه قد يكون أفضل من بطش داعش.
الحسكة (سوريا)- “الهول” اسم على مسمى، حيث يواجه (6500) عراقي -غالبيتهم من النساء والأطفال- الأهوال، هؤلاء فروا من بطش داعش فوجدوا أنفسهم عالقين في مخيم مهمل وسط الصحراء، بعيدا عن متناول السلطات العراقية والمنظمات الإغاثية الإنسانية.
يقضي أبونور (33 عاما) جل يومه متعلقا بحبال الخيمة الصغيرة التي لجأ إليها برفقة زوجته وطفليه الصغيرين قبل أربعين يوما، عينٌ على غالون ماء صغير وكيس طعام في الخيمة خشية نفاده، وأخرى على الطريق ترقب وصول أيّ مساعدات إلى مخيم الهول، حتى يهرع إليها ويضمن وجبة يوم إضافي لعائلته، أما قلبه فمتعلق بـ”أمل إنقاذ الطفلين من هذا الجحيم”، كما يقول.
الطريق إلى سوريا وبالتالي إلى مخيم الهول ليس بالطريق السهل والقصير، فالمدة التي يستغرقها اللاجئ العراقي ليصل الحدود السورية هي بين خمسة أيام وأسبوع عن طريق المهربين، ويسلك خلالها طرقا وعرة وطويلة تفاديا لحواجز داعش المنتشرة على الطرقات، وقد يضطر أحيانا للنوم في العراء وافتراش الأرض مع عائلته، إضافة إلى التعرض للابتزاز والكذب من المهربين. أبونور معلم أرهقه العيش تحت حكم داعش خاصة وأن الحكومة العراقية أوقفت رواتب جميع الموظفين في الموصل منذ سنة ونصف السنة، وقد قرر مغادرة المدينة لئلا يصير وعائلته جزءا من درع بشري يتخذه التنظيم لعرقلة العمليات العسكرية المرتقبة في نينوى.
يقول الرجل “سأتجاوز الحديث عن معاناتنا الطويلة خلال رحلة المغادرة؛ قصدنا سوريا، الخيار الوحيد المتاح حاليا لسكان الموصل، ولأن داعش يمنع خروج المدنيين من مناطق سيطرته ويعاقب الهاربين بالقتل، فقد طاردنا الرعب طوال الرحلة التي استغرقت (12) ساعة وكلفتنا ثلاثة آلاف دولار”. في نهاية المطاف ترجل أبونور وعائلته من السيارة ليشير إليهم المهرب بيده نحو الشمال قائلا “سيروا في هذا الاتجاه، ستكونون في منطقة سورية خاضعة لسيطرة وحدات حماية الشعب الكردي السورية، فسيأخذونكم إلى الهول”.
المخيم الذي ارتبط اسمه بمعاناة آلاف الفارين من الموصل وتكريت والشرقاط وغيرها يقع في ناحية الهول (منها اشتق اسمه) بمحافظة الحسكة السورية، ويبعد عن الحدود العراقية نحو ثلاثين كيلومترا، أنشأته الأمم المتحدة للاجئين العراقيين أثناء حرب الخليج الثانية 1991 وهو مهجور منذ عام 2007.
ويتكون المخيم من مئة وثلاثين منزلا بكل منزل غرفتان، وكل منزل يحتوي على حمام، وفي المخيم 200 خيمة أيضا بحسب مدير المخيم جوان سيدو. يضيف أبونور لموقع نقاش الإلكتروني “انطلقنا سيرا على الأقدام في منطقة صحراوية منبسطة خالية من البشر تقريبا، كنت احمل طفلتي المعاقة (5 سنوات) يتبعني طفلي الثاني (7 سنوات) فيما تحمل زوجتي حقائبنا، أرهقنا تماما بعدما قطعنا مسافة 20 كيلومترا حتى وصلنا حاجز الصلبي، حيث كانت ترفرف راية صفراء يستظل بها مسلحون من وحدات حماية الشعب الكردي السورية، كانوا يراقبوننا باستمرار عبر المنظار”.
وهناك وجد النازحون أمامهم ست عائلات عراقية وصلت قبلهم بقليل فانضمّوا إليها، “سننتظر هنا يومين أو أكثر قبل أن ينقلونا إلى الهول”، هكذا قالت امرأة تفترش وأطفالها الأرض. يواصل أبونور حديثه “بعد ثلاثة أيام قضيناها في العراء، نبيت في خندق ويجود علينا المقاتلون بقليل من الطعام، أخذوا أوراقنا الثبوتية ثم نقلونا بسيارات إلى المخيم، نحن ومن انضمّ إلينا لاحقا، فكنا خمسين فردا تقريبا”.
منفى قاس
تدير وحدات حماية الشعب الكردي السورية المخيم الممتد على مساحة كلم2 واحد والمسور بأسلاك شائكة منذ أن بدأ يستقبل العراقيين في أبريل الماضي ليكون محطة استراحة بهدف إكمال الرحلة لكل من اللاجئين حسب الوجهة المرجوة؛ إقليم كردستان أو المناطق المحررة غربي نينوى أو تركيا، وعمليا أصبح سجنا كبيرا يدخله الفارون من داعش بإرادتهم، ولا يخرج منه إلا من كان ذا حظ عظيم.
يقول بشار الجميلي، وصلت الهول قادما من قضاء الشرقاط شمال صلاح الدين، منتصف أبريل الماضي، وكان على شكل غرف متهالكة ومهملة. غادرته متوجها إلى تركيا بعد بضعة أيام دون أن يمنعني أحد، وبعدها بعشرين يوما وصلت عائلتي إلى المخيم فاحتجزوها شهرا كاملا، حتى تمكنت من إخراجها إلى أربيل بعدما تدبرت موافقة من مديرية أمن دهوك. عائلة أبونور أنهت حتى الآن أربعين يوما هنا من دون ان تحصل على موافقة المغادرة، وثمة عائلات مازالت تنتظر منذ ثلاثة أشهر.
يضيف أبونور “اتصلت بجميع معارفي لكن بلا جدوى، السبيل الوحيد للخروج يكون عبر أمن دهوك الذي يسيطر على منفذ ربيعة/ اليعربية بين العراق وسوريا، الذي يبعد 70 كيلومترا تقريبا عن المخيم”. وهنا تؤكد سلسلة التقارير التي أصدرها تحالف المنظمات لأجل نينوى، أواخر مايو الماضي، عن الوضع الإنساني في الهول، أن وحدات حماية الشعب الكردي السورية تعامل العراقيين في المخيم على أنهم لاجئون وتفرض عليهم البقاء فيه بينما هم ليسوا كذلك، فأغالبهم يريد الوصول إلى الأراضي العراقية المحررة ووجودهم مؤقت.
رشوة العودة إلى الوطن
الناشط السوري أحمد جدعان يزور الهول بالتنسيق مع منظمة “ميرسي كوربس” لتقديم المساعدات، أخبرنا عبر الهاتف بأن عدد المحتجزين تجاوز 6500 شخص، غالبيتهم من الموصل، والرقم في ارتفاع مستمر لأن المخيم يستقبل كل أسبوع تقريبا دفعة جديدة من الفارين خاصة منذ بدء عمليات تحرير الفلوجة التي أعلنها رئيس الوزراء العراقي في 23 مايو الماضي.
القليل من المحتجزين يستطيعون تقديم أوراقهم لسلطات الإقليم وعليهم الانتظار أسابيع لتأتيهم الموافقة ثم ينتقلون إلى الإقليم عبر منفذ ربيعة، وقد لا تأتي الموافقات أصلا.
وبسبب الظروف المأساوية التي لا تطاق يلجأ من يملك المال إلى دفع رشوة للمغادرة، لكن لا شيء مضمون، فثمة 60 عائلة عالقة حاليا في المنفذ، وقد تبيّن أن عناصر من أمن دهوك زوّروا الموافقات بعدما قبضوا المال، وكُشف أمرهم في ربيعة فاحتجزت العائلات هناك، في المقابل ترفض قوات وحدات حماية الشعب الكردي السورية إعادتها إلى المخيم نكاية بموقف سلطات الإقليم. الجوع والعطش من مشكلات الهول المزمنة، فالقوات المسؤولة غير قادرة على توفير الطعام والشراب للجميع، والمنظمات الإنسانية لم تمدّ يد المساعدة، بينما الحكومة العراقية لم تتحرك بعد.
جدعان يؤيد ما جاء في شهادة عدد من سكان المخيم الذين قالوا لموقع نقاش، إن عائلات كثيرة تأكل وجبة طعام واحدة يوميا وتشرب ماء غير مصفى، ويؤكد “أن الوضع الإنساني هناك كارثي”. ويقول أبونور، “يجلبون لنا مياه الآبار، إذ ننتظر الصهاريج كل يومين لنقف في طابور طويل تحت الشمس الحارقة، وإذا عدت إلى خيمتي بـ20 لترا فتلك فرحة للعائلة، كما أرسل طلباتي لجلب الغذاء مع أشخاص يحصلون بصعوبة على موافقات للتسوق من البلدة القريبة”.
ويضيف بنبرة حزينة “أطفالي يشربون الماء الحار في ذروة الصيف وأحيانا يأكلون الطعام البارد لأننا نطهو بطريقة بدائية جدا. إني لا أستطيع وصف حجم المعاناة”. تحالف المنظمات يحذر من تدهور الحالة الصحية لنحو 500 طفل دون سن السادسة بسبب سوء التغذية وارتفاع درجات الحرارة، إلى جانب ما تعانيه ثلاثون امرأة حامل لعدم توفر أيّ رعاية صحية لها، إلى جانب انتشار الأمراض الجلدية وإصابات بلسعات الثعابين والعقارب السامة.
وجبة نادرة
البيئة الصحراوية مناسبة لانتشار الأمراض، لذا يتكدس المرضى أمام العيادة الوحيدة التي يتواجد بها طبيب من منظمة الهلال الأحمر، يزور المخيم مرتين في الأسبوع فقط، الشهادات تتحدث عن صعوبة إسعاف الحالات الطارئة بسبب الإجراءات الأمنية الصارمة، حيث ينقل المريض إلى مستشفى الحسكة ويمنح إجازة خروج زمنية لا تزيد عن 48 ساعة.
الماء الراكد
هذا جانب من القصة وفي كل خيمة قصة ومأساة، لذا صوت الهول بدأ يرتفع، مواقع التواصل الاجتماعي مليئة بمناشدات لناشطين موجهة إلى الأمم المتحدة للتدخل، ولأول مرة يزور المخيم مسؤول عراقي (النائب عبدالرحيم الشمري) الذي أوصل مساعدات تضم 300 خيمة وكميات بسيطة من الغذاء. الشمري ظهر في شريط فيديو في 27 يونيو الماضي يناشد بانفعال شديد رئيس الوزراء العراقي بالتدخل الفوري والضغط على إقليم كردستان للسماح للمحتجزين بالدخول إلى أراضيه أو فتح مخيم لهم بالعراق.
وكشف محافظ نينوى العراقية نوفل السلطان، في بيان رسمي، الأربعاء الماضي، عن موافقة وزير الدفاع العراقي خالد العبيدي على فتح جسر جوي لنقل النازحين العراقيين من أهالي مدينة الموصل في مخيم الهول، إلى مدينة ربيعة الحدودية مع سوريا، أو مدينة تكريت في محافظة صلاح الدين. وجاء في البيان، “إن جهودنا واتصالات أثمرت حلا لمشكلة نازحي الهول، ووعد وزير الدفاع العراقي بفتح جسر جوي، إما بنقلهم إلى مدينة تكريت وإما بفتح مخيم لهم في ربيعة”. أبونور لم يفرح كثيرا بمساعدات الشمري ولا بوعود المسؤولين، بل ركز على ما ستحققه الزيارة من نتائج لإخراج الناس من هذا “المنفى”.
استرسل الرجل بنبرة جادة تشير إلى نهاية حديثه “يجب أن يوضع حدّ لكل هذا العذاب والإهانة، وإن لم يسمحوا لنا بدخول الإقليم أو المناطق المحررة في نينوى، وأصرت قوات حماية الشعب الكردي السورية على احتجازنا هنا كالحيوانات، فليفسحوا لنا المجال للعودة إلى الموصل”. لم يكن العراقيون ليتوجهوا إلى الهول ويعيشوا في مخيمها لولا أنّ العيش تحت سيطرة داعش وقوانينه أكثر خطورة وصعوبة من الهول نفسه ومخيمها الصغير، إنهم يبحثون عن الأمن والاستقرار حتى لو كان في سوريا بلد الحرب.

1