أحدث الأخبار
الخميس 28 آذار/مارس 2024
1 2 3 41120
البكتيريا القاتلة تقود العالم إلى عصر ما بعد المضادات الحيوية!!
28.05.2016

اتحدت التكنولوجيا والأبحاث العلمية وأحدثت ثورة في المجال الطبي والرعاية الصحية، فأصبح من السهل تشخيص الأمراض بالأشعة السينية والتصوير بالرنين المغناطيسي ورسم دقات القلب والعلاج الكيميائي، وتوفرت بذلك فرص الشفاء من العديد من الأمراض التي كانت مستعصية حتى بداية القرن الحادي والعشرين، كما ساهمت هذه الثورة في تمديد متوسط طول العمر عند الإنسان، لكن هذه الإنجازات لم توفر الاطمئنان للباحثين في المجال الطبي الذين حيرهم مؤخرا وجود بكتيريا مقاومة لجميع المضادات الحيوية التي تشكل النسبة الكبيرة في مداواة الأمراض السارية.
تتسلح البشرية بالعلم لمقاومة أكثر الأعداء حضورا على مر الزمن وهي الأمراض، واكتشف العلماء المضادات الحيوية لمعالجة أغلبية الأمراض والأوبئة التي كانت منتشرة في القرن الماضي وفي مقدمتها البنسلين العجوز الذي مازال يقدم إلى الآن، لكن الأخبار الطبية التي تقدمها مراكز الأبحاث تنذر بأن زمن هذه المضادات قد ولّى، وأن الأمراض قد تعود أشد ضراوة مما كانت عليه، بعد أن أعلن باحثون في الولايات المتحدة، الخميس، عن أول حالة بالبلاد لمريضة بعدوى مقاومة لكل أنواع المضادات الحيوية.
الخبر يبدو عاديا خاصة أن مراكز الأبحاث تختبر بشكل متواصل عقاقير مقاومة لأمراض بدت للوهلة الأولى وكأنها ستفتك بالبشرية مثل الأيدز، وتمكنت من مداواتها، لكن الباحثين في المراكز الأميركية لمكافحة الأمراض والوقاية منها عبروا عن قلقهم الشديد من أن “البكتيريا القاتلة” قد تشكل خطرا كبيرا بالنسبة إلى أنواع العدوى المعتادة في حال انتشارها.
وتم العثور على سلالة البكتيريا في جسم امرأة بولاية بنسلفانيا (شمال شرقي الولايات المتحدة) تعاني التهابا في المسالك البولية ولم تسافر خلال الأشهر الخمسة الماضية، وقد سبق التعرف على تلك البكتيريا في بريطانيا وإيطاليا.
وكتب الباحثون في دورية “أنتيميكروبيال آجنتس أند كيموثيرابي” (العناصر المضادة للبكتيريا والعلاج الكيمياوي) الأميركية، أن اكتشاف سلالة من بكتيريا “إي كولاي” (العصوية القولونية) بها جينات مقاومة للمضاد الحيوي كوليستين “ينذر بظهور البكتيريا المقاومة حقا لعموم العقاقير”.
وتنتشر بكتيريا “إي كولاي” عادة بسبب الأطعمة والمياه الملوثة، حيث أن المصابين غالبا ما يكونون قد تناولوا أطعمة أو منتجات ألبان ملوثة بالإي كولاي، ومن أهم مصادر العدوى اللحوم المفرومة، حيث تكمن البكتيريا داخل اللحم أثناء الفرم، كما يمكن لشرب الحليب دون تغليته جيدا أن يسبب الـ”إي كولاي”، وذلك لأن البكتيريا يمكن أن تنتقل عن طريق تواجدها على ضرع الأبقار، كما يمكن أن يتلوث اللبن عن طريق الأدوات المستخدمة في الحلب والتخزين والنقل.
وحذر مدير المراكز الأميركية لمكافحة الأمراض والوقاية منها، توماس فريدن، من عواقب وخيمة إذا تزايدت إمكانية عدم علاج هذه البكتيريا.
وقال فريدن إن العدوى لم تتم السيطرة عليها حتى بعقار كوليستين وهو مضاد حيوي مخصص للاستخدام ضد ما يطلق عليها “البكتيريا الكابوس”.
وقالت الدراسة التي أنجزها مركز والتر ريد الطبي العسكري “ينذر ذلك بظهور بكتيريا مقاومة للعقاقير على نطاق واسع”.
هذه التصريحات والمخاوف متأتية من أن البكتيريا القاتلة تعلن عن نهاية المضادات الحيوية التي تعتبر من أهم إنجازات الطب على الإطلاق، فمن الصعب تخيل إمكانية القيام بأبسط المهمات الطبية، على صعيد الجراحات، والعلاج الكيماوي، ونقل وزراعة الأعضاء وعمليات الولادة، دون المضادات الحيوية. وذلك يعني أن انتشار البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية يقتلع واحدة من أعظم الأدوات الطبية التي أنقذت البشرية من الموت بعدوى أو مرض بسيط أو جرح متعفن، أو خلال عملية اقتلاع زائدة دودية.
وحذرت منظمة الصحة العالمية من انتشار البكتيريا القاتلة بالقول، “لن يكون هنالك علاج للعديد من الإصابات المعدية الشائعة بعد الآن، ومن جديد ستكون مميتة بلا هوادة”.
ويقول الأستاذ وودفورد إن السيناريو الأسوأ سيكون مثل ما كان عليه العالم في “عشرينات وثلاثينات القرن الماضي”، مضيفا، “ربما تكون بصدد ممارسة عملك في حديقة منزلك، فيصاب إصبعك بوخزة من شجرة ورد، وتصاب بعدوى بكتيرية، فتذهب إلى المستشفى ليقول لك الأطباء إنه ليس في وسعهم القيام بشيء لإنقاذ حياتك، وأنك ستعيش أو تموت بحسب الحظ”.
جهود حثيثة
أمام هذه الكارثة المرتقبة، تبذل بعض الحكومات ومراكز الأبحاث جهودا حثيثة لمنع وقوعها، وإلا ستكون نهاية البشرية وشيكة بحسب ما يتوقعه العلماء. وتحث بريطانيا على تبني خطة عالمية لمكافأة شركات الدواء التي تطور مضادات حيوية جديدة.
وقالت مراجعة أجريت بطلب من الحكومة البريطانية ونشرت الأسبوع الماضي، إن شركات الدواء يجب أن توافق على “الدفع أو المشاركة في السباق الملح لإيجاد عقاقير جديدة مضادة للميكروبات لمكافحة التهديد العالمي الذي تمثله البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية”.
وقال الخبير الاقتصادي جيم أونيل إنه يتعين دفع مكافأة تتراوح بين مليار إلى 1.5 مليار دولار مقابل أي مضاد حيوي جديد ناجع يتم طرحه في السوق.
وقدر أونيل أن البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية قد تقتل عشرة ملايين شخص سنويا وتكبد العالم ما يصل إلى 100 تريليون دولار بحلول عام 2050 إذا لم تتم السيطرة عليها، وهي أرقام تنذر بكارثة بشرية حقيقية إذا لم يفز العلم والعلماء على البكتيريا القاتلة.
وقال رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون في اجتماع لمجموعة السبع في اليابان، إن بريطانيا ستعمل مع خبراء في مجالي الصحة والتمويل العالمي لتطوير نظام لطرح مضادات حيوية جديدة في الأسواق وجعلها في متناول كل من يحتاجون إليها.
وصدر تقرير عن لجنة خاصة شكلها ديفيد كاميرون، وترأسها جيم أونيل، يتضمن عددا من التوصيات والإجراءات، من أهمها إطلاق حملة توعوية عالمية، وبسرعة، تستهدف جميع المجتمعات والشعوب، في ظل حقيقة كون الغالبية العظمى من بني البشر على غفلة تامة من خطورة الموقف الحالي.
وحث التقرير على تأسيس صندوق عالمي، بقيمة ملياري دولار، لدعم المراحل الأولية من الأبحاث والدراسات ورفع كفاءة نظم رصد ومتابعة مقاومة المضادات الحيوية، وتوفير حوافز مالية لتطوير فحوصات واختبارات، تمكن الأطباء من تحديد ما إذا كانت العدوى بكتيرية بالفعل، لوقف استخدام المضادات الحيوية في حالات العدوى الفيروسية، التي لن تجدي معها المضادات الحيوية نفعا.
ومن أهم التوصيات، عدم الإفراط وإساءة استخدام المضادات الحيوية في المجال الزراعي، وتربية الحيوانات، مع فرض حظر تام في هذا المجال على استخدام أنواع المضادات الحيوية الحرجة وبالغة الأهمية للاستخدامات البشرية.
وقامت أوروبا بحظر استخدام المضادات الحيوية لتعزيز نمو الثروة الحيوانية، لأنها يمكن أن تساهم في تطور سلالات مقاومة، لكن هذه الممارسة لا تزال شائعة في أجزاء كثيرة من العالم، وهنالك مشكلة مماثلة في مزارع الأسماك.
وقالت الوكالة الأوروبية للأدوية، الخميس، إن الاستخدام الزراعي للمضادات الحيوية كملاذ أخير ينبغي تقليله بواقع الثلثين للحد من الانتشار الخطير لميكروبات مقاومة للعقاقير.
ودعت الوكالة إلى فرض قيود صارمة على علاج الحيوانات بمضاد كوليستين الحيوي وذلك بعد عام من اكتشاف جين يجعل البكتيريا مقاومة للأدوية.
وقالت الوكالة الأوروبية للأدوية إن الاستخدام الزراعي للكوليستين ينبغي أن يقل إلى خمسة ملليغرامات كحد أقصى لكل كيلوغرام معدل من الماشية. ويستخدم العقار حاليا على نطاق واسع في المزارع.
وعقار كوليستين المستخدم منذ أكثر من 50 عاما ويعطى للحيوانات والبشر على السواء، يلجأ إليه الطبيب البشري كملاذ أخير لعلاج عدوى تسببها بكتيريا مقاومة لعدة عقاقير أو ما تسمى بالبكتيريا القاتلة.
وهذا النوع من البكتيريا يمثل تهديدا متناميا بمختلف أنحاء العالم. ودعت مراجعة رئيسية نشرت الأسبوع الماضي إلى اتخاذ خطوات جديدة لعلاج المشكلة، ومنها الحد من استخدام المضادات الحيوية والاستثمار في إيجاد عقاقير جديدة.
سوء استعمال المضادات الحيوية
أطلقت منظمة الصحة العالمية، والناشطون في مجال الصحة الدولية، في شهر نوفمبر الماضي فعاليات الأسبوع العالمي للتوعية حول المضادات الحيوية، وتصحيح المفاهيم الخاطئة عن هذه النوعية بالغة الأهمية من العقاقير الطبية، والتحذير من نتائج إساءة استعمالها على مستقبل الرعاية الصحية، وأتت فعاليات هذا الأسبوع، على خلفية تزايد القلق والمخاوف من انتشار وتعاظم قدرة البكتيريا على مقاومة المضادات الحيوية، وما ستكون لهذه الظاهرة من تداعيات خطيرة على الجنس البشري، وضرورة إيجاد طرق جديدة ووسائل مبتكرة لمجابهتها.
ويوجد في العصر الحالي أكثر من مئتي نوع من المضادات الحيوية، ولكل نوع منها أسماء متعددة تختلف باختلاف الشركة المصنعة لها على شكل أقراص أو كبسولات أو حقن، وبعضها على هيئة مساحيق أو مراهم جلدية أو نقط للعين أو للأذن إلى غير ذلك من الأشكال. وتختلف أنواع المضادات الحيوية باختلاف مدى تأثيرها على البكتيريا.
وقد تكتسب البكتيريا مناعة ضد المضادات الحيوية نتيجة لسوء الاستعمال، وذلك عند الاستهلاك المفرط للمضادات الحيوية أو حينما تعطى بجرعات غير مناسبة، أو تعطى بالقدر المطلوب على فترات غير منتظمة بين الجرعات، أو تعطى لمدة قصيرة غير كافية للعلاج.
ومن الأسباب أيضا، الاستعمال غير الملائم للمضادات في حالات لا تحتاج إلى معالجة بل تشفى ذاتيا، ومناعة البكتيريا ضد المضادات الحيوية قد تكون طبيعية، حيث تخلق البكتيريا ولديها القدرة على مقاومة بعض أنواع المضادات الحيوية أو كلها، وقد تكتسب البكتيريا هذه المناعة بطرق مختلفة.

1