أحدث الأخبار
الخميس 18 نيسان/أبريل 2024
1 2 3 41121
"تمليس" الأواني الفخارية في تونس مهنة ترفض الاندثار !!
13.05.2016

تعود صناعة الأواني الفخارية إلى الآلاف من السنين في تونس حتى أصبحت تمثل حلقة وصل بين العصور، فهي من أهم الشواهد المادية المساهمة في تتبع التسلسل التاريخي لتطور الحضارات لدى الباحثين المتخصصين، لكن هذه الحرفة أصبحت تعاني العديد من العوائق في مدينة قفصة بالجنوب التونسي.
تونس ـ كلّ العالم تغيّر من حولهنّ، تطوّرت الحياة وأصبح الإنسان يعتمد على وسائل متطورة في عيشه، إلّا أنّ نساء قرية “الرواشد” التّابعة لمحافظة قفصة بالجنوب التّونسي، تشبّثن بمهنة تربّين عليها منذ نعومة أظافرهن، وورثن أصولها، وحفظن تقنياتها البسيطة من أمهاتهن وجدّاتهن، المتمثلّة في “تمليس” صناعة الأواني المنزليّة من الطّين.
زينة مولدي، امرأة تجاوزت الستّين من عمرها، حدّثتنا عن حبّها وشغفها بمهنة صناعة الأواني الطّينيّة، التّي بدأتها منذ بلوغها سن الـ12 عاما، وها هي اليوم تتفانى فيها، ولم تهجرها على الرّغم من وضعها الصحي المتردّي أحيانا، وكبر سنها. تقول زينة “نجلب الطّين من الجبال القريبة التي تتميز بتربتها المناسبة لحرفتنا، وندقه، ومن ثمّ نغربله ليصبح كَالدّقيق، ونبلله في ما بعد، ونتركه ليرتاح ليلة كاملة، وصبيحة اليوم التالي تصبح العجينة أكثر تماسكا، وقابلة للتّشكيل، فيكون بإمكاننا حينها أن نصنع منها الأواني المنزلّية، اعتمادا على اليدين بشكل أساسي، وقطعة فخارية دائرية مسطحة يوضع عليها الطين أثناء تشكيله”.
وتتابع زينة “في مرحلة أخرى يتمّ تجفيف الأواني لبعض الوقت قبل أن تُحرق، وهي عمليّة تهدف إلى جعل الآنية متماسكة أكثر وقابلة للاستعمال في الطبخ”.
ومن أكثر الأواني الفخارية التي يتمّ تشكيلها؛ الكانون (يوضع فيه الفحم ويستعمل لطبخ الشاي بطريقة تقليدّية)، والطاجين (يعتمد لصناعة الخبز)، والقدر، وأواني طبخ الشاي.
وفي مكان قريب من زينة، جلست رفيقة دربها في هذه المهنة عيديّة المرأة الخمسينية التّي تصف صناعة الأواني الطينية بـالشاقة “مَن لم تتعلّم أو انقطعت عن دراستها، تكون وجهتها الجبل لترث مهنة جدّاتها، لكن جلّ الفتيات اليوم، وخاصّة من يزاولن دراستهن، لا يرغبن في هذه المهنة ولا يُقبلن عليها”.
وترى عيديّة أن مهنة صناعة الأواني الفخارية، التي التحقت بها منذ الطفولة، “شاقّة جدّا ولا سيما مرحلة جلب الطين من الجبل، التي تعدّ الأصعب”.
وتعوّدت النّساء في قرية الرواشد، على مشقّة التوجه إلى الجبال، وجمع الطين الصّالح للعجن، وتشكيله أدوات منزليّة، ومن ثمّ بيع منتجاتهن بالجملة أو بالتّفصيل، لمن يحتاجها، ولا سيما في ظل إقبال الناس على تلك الأواني، لاعتقادهم أن استعمالها صحيّ، ولكونها مصنوعة من مواد طبيعية.
عملية صناعة هذا النوع من الاواني شاقة في البحث عن الطين وتشكيله.
ومع مشقة هذه المهنة، فإن عائدها المادي بسيط للغاية، فالقطعة الواحدة منها تباع بـ0.5 دولار أميركي فقط، الأمر الذي يتطلب من العاملات في هذه الحرفة، بذل جهد مضاعف، للحصول على أرباح توفر لهن حياة كريمة.
وتعتبر الصناعة الفخارية، من أقدم الصناعات التقليدية العريقة، التي توارثتها الأجيال عبر السنين في تونس، حيث تعد أقدم حرفة امتهنها أبناء محافظة قفصة، منذ وجودهم بالمنطقة، وفق الباحث التونسي في علم الاجتماع، علي الفالحي.
وأشار الفالحي إلى أنّ “سكان قفصة، عرفوا صناعة الطين منذ الحضارة القبصية، حضارة ظهرت بين 10 آلاف و6 آلاف سنة قبل زمننا الحاضر، أي في آخر العصر الحجري القديم وفي العصر الحجري الوسيط وفي العصر الحجري الحديث، بالمناطق الداخلية من شمال أفريقيا الحالي، خاصة في تونس الجزائر والمغرب”.
ويضيف “رغم وجود المادة الأولية وتوفرها، إلا أن هذه الصناعة اندثرت، وبحسب بعض الدراسات، فإن التوجه نحو استخراج الفسفات بالمنطقة، وكذلك عدم إدراج قفصة كممرّ سياحي لم يخلق الرغبة لدى الأهالي والحرفيين إلى مزاولة هذه الحرفة، فازدهرت أكثر في كل من نابل (شرق)، وجربة (جنوب) لارتباطهما بالسياحة، أي أن هناك عوامل سياسية قتلت هذه المهنة”.
وبحسب مقال صادر عن المعهد الوطني للتراث (حكومي) تحت عنوان “الفخار اليدوي الريفي” في مؤلّف بعنوان “ألوان من تونس: 25 قرنا من الخزف”، فقد “ظهرت صناعة الفخار اليدوي في تونس منذ العصر الحجري، وتواصلت إلى يومنا هذا دون تحريف تقريبا على مستوى القولبة والزخرفة، على الرّغم من توافد تيارات ثقافيّة عدّة على البلاد”.
وبحسب المقال “يوجد بتونس أسلوبان للقولبة يتمثّل الأوّل، في استئصال قطع من عجين الطّين، تُسطّح بالأيدي فتصبح بمثابة قعر الآنية المزمع صنعها، ثم تشرع المرأة (المَلاّسة) في قولبة لفافات أُخرى تُلصق بقعر الآنية، وتصفف الأخرى فوقها، أما الأسلوب الثاني فيعتمد على تشكيل الجوانب بالضغط على قطعة طين تمطط بالأيدي من الأسفل إلى الأعلى”.
ويخلط الكثير من الناس بين الخزف والفخار، فهذا الأخير هو ما صنع من الطين وحرق في ما بعد بالنار ليتماسك، أما الأول فيشبه الفخار في طريقة تصنيعه، لكنه يتميز عنه بالمادة الزجاجية التي تتم إضافتها إلى الطين الذي يصنع منه، ويتم حرقه مرة أخرى بعد إضافة هذه المادة.

1