أحدث الأخبار
الجمعة 29 آذار/مارس 2024
1 2 3 45210
الخرطوم: جامعات السودان تغرق في العنف الطلابي!!
21.01.2018

شهدت جامعة الدلنج جنوب كردفان في السودان في الحادي عشر من هذا الشهر حادثة قتل بشعة عندما أطلق جندي النارعلى طالب وطالبة وتسبب في مقتلهما في الحال قبل أن ينتحر، الأمر الذي أدى إلى إندلاع تظاهرات أعقبها إغلاق الجامعة لأجل غير مسمى.ولم تكن هذه هي الحادثة الأولى في الجامعات السودانية، فقد سبقتها حوادث قتل وطعن وضرب بالسيخ والآلات الحادة والسبب واحد هو عدم تقبل الآخر، من حيث الرأي والسلوك والمعتقد الأيديولوجي والثقافة المحلية. وظهرت في السنوات الأخيرة أسباب عاطفية، كما حدث في جامعة الدلنج قبل أسبوع أو كلية الصحة في جامعة الخرطوم قبل عدة سنوات.ويؤرخ لأحداث العنف في الجامعات السودانية بما عرف بواقعة «العجكو» وهو اسم لرقصة شعبية من تراث غرب السودان قُدّمت عام 1968 في جامعة الخرطوم ضمن أسبوع ثقافي واعترض الطلاب الذين ينتمون إلى جماعة «الإخوان المسلمين»على أن تقدم هذه الرقصة فتاة واندلعت أحداث عنف راح ضحيتها طالب.وقبل حادثة العجكو، قدمت جامعة الخرطوم أحمد القرشي طه، وهو أول شهيد في ثورة أكتوبر السودانية في عام 1964التي قامت ضد حكم الفريق إبراهيم عبود العسكري وأدت إلى سقوطه وقيام حكومة ديمقراطية بعد أول انتفاضة شعبية في المنطقة واستشهد بعد القرشي بأسبوع بابكر عبد الحفيظ.ويتفق كثير من المتابعين لهذا الملف على أن عهد حكومة الإنقاذ بقيادة البشير شهد إنتشارا واسعا لهذه الظاهرة، ففي 4 كانون الأول/ديسمبر1989 اصيب الطالب بشير الطيب (جامعة الخرطوم/كلية الآداب) في أحداث عنف ليلفظ أنفاسه بعد يوم من الحادث.وبعد يومين تصاعدت الأمور بمطالبة الطلاب فتح تحقيق وتدهورت الأوضاع سريعا ليتم اغتيال الطالبة التاية محمد أبوعاقلة، بالرصاص في وسط الجامعة وفي اليوم نفسه اغتيل سليم محمد أبو بكر الطالب بالسنة الثانية في كلية الآداب. وقد اعتبرت هذه الأحداث بداية حقيقية للعنف ضد الطلاب الذي استمر عاما بعد عام سواء أكان من السلطات الأمنية أم من الطلاب ضد بعضهم.وامتدت حوادث قتل الطلاب لتشمل الجامعات في كل مناطق السودان واتخذت شكلا وُصف بالممنهج، ليفوق عدد الضحايا المئة، ومعظمهم بسبب الضرب بالرصاص والآلات الحادة. لكن جامعة الجزيرة شهدت حادثة من نوع آخر قبل عدة أعوام، فقد توفي في 7/12/2012 أربعة من طلابها بالدفعات «35.34» غرقاً في ترعة المزرعة التجريبية في المدينة الجامعية بودمني وذلك بسبب فرارهم من عنف السلطات الأمنية عقب احتجاجات بسبب الرسوم الجامعية.وشهد العام الماضي عدة حوادث أبرزها هجوم بالسكاكين والسواطير نفذه طلاب في جامعة أمدرمان الإسلامية على أحد مواقع سكن الطلاب، راح ضحيته طالبان وأصيب تسعة آخرون. وشهد العام ذاته أحداث عنف دامية بين طلاب معتصمين داخل جامعة النهود غرب كردفان وآخرين رافضين للاعتصام، وأصيب 12طالبا بجروح. وشهدت جامعة الفاشر(غربي السودان) في آب/أغسطس الماضي فض تجمع سلمي طلابي باطلاق النار دون وقوع قتلى مع وجود أصابات خطيرة.وفي أيار/مايو الماضي شهدت جامعة بخت الرضا في ولاية النيل الأبيض أحداث عنف راحت ضحيتها طالبة وشرطي وبعد شهرين من هذه الأحداث وفي حالة هي الأولى من نوعها، قدم أكثر من ألف طالب من ولايات دارفور استقالاتهم من جامعة بخت الرضا وغادروا مدينة الدويم في ولاية النيل الأبيض احتجاجا على ما وصوفوه باستهدافهم من قبل إدارة الجامعة.وأصدرت رابطة طلاب دارفور في جامعة بخت الرضا بيانا أكدت فيه أنهم عانوا من التمييز العرقي وأن إدارة الجامعة ظلت تتهمهم بالعنف وتحرض عليهم مجتمع المدينة.واللافت في الأحداث التي تقع في الجامعات، تبادل الاتهامات بين الطلاب المنتمين للحزب الحاكم وأحزاب المعارضة، وخير مثال على ذلك ما حدث عام 2016 عقب مقتل الطالب أبو بكر صديق الذي يدرس في المستوى الأول في كلية الهندسة، جامعة كردفان غربي السودان. فقد تبادلت الحكومة والمعارضة اللوم في أسباب العنف، وقالت المعارضة إن الأجهزة الأمنية وطلاب المؤتمر الوطني هاجموا الطلاب أثناء تقديمهم قائمة كتلة التحالف المشاركة في انتخابات اتحاد الجامعة بحشود كبيرة مدججة بالأسلحة النارية، بينما أصدرت حركة الطلاب الإسلاميين الوطنيين في جامعة كردفان بيانا قالت فيه إن الطالب أبو بكر الصديق هاشم، اغتالته أيادي الغدر والخيانة من ميليشيات الحركات المسلحة التي سمت نفسها الذراع العسكري لتحالف قوى المعارضة في الجامعة.وحسب مجموعة «طلاب بلا عنف» فإن أسباب تنامي ظاهرة العنف الطلابي متعددة ومتنوعة «إذ يرجعها البعض إلى أسباب داخلية تتعلق بظروف الجامعة وأوضاع الطلاب، وأسباب خارجية ترتبط بالأجواء العامة المشحونة بالاحتقان السياسي والاجتماعي الذي يسود الوطن». وعلى صعيد إشكاليات البنية الداخلية للمنظومة الجامعية، فيعاني الطلاب من سوء الخدمات التعليمية وسوء المنظومة القانونية الحاكمة للعملية التعليمية، وتدني مستوى الخدمات المقدمة للطلاب في المدن الجامعية.ويتحدث بعض الطلاب عن تواطؤ عمادات شؤون الطلاب ضدهم وبالذات الناشطين منهم، وهو ما يخلق عدم احترام لهذه الإدارات من قبل الطلاب. ويعتبر آخرون أن الوحدات الجهادية الموجودة في الجامعات، والتي تتبع للحزب الحاكم، هي السبب الأساسي في العنف. ودار جدل واسع حول دور هذه الوحدات ومهامها، وأصدرت جامعة الخرطوم قرارا في نيسان/أبريل 2014 بتصفية الوحدة الجهادية في الجامعة، لكن بعد أربعة أشهر فقط أعيدت هذه الوحدة وتم اتباعها لعمادة الطلاب.ويرى الدكتور عصمت محمود المحاضر في كلية الآداب، جامعة الخرطوم، أن العنف الطلابي له تاريخ قديم في مؤسسات التعليم العالي في السودان وعلى نحو خاص جامعة الخرطوم ودائماً موصول بالمجموعات العقائدية. ويعدد أنواع ذلك العنف لـ«القدس العربي» ويقول:»أحيانا يكون العنف خطأ سياسيا للتنظيم وذلك بتوجيه من خارج الجامعة، وأحيانا يكون صادرا من مجموعة متفلتة داخل التنظيم، ولكن التنظيم لا يستطيع أن يعلن ذلك ويتبنى هذا العنف باعتبار أن ذلك أخف ضررا من الإعلان عن حقيقة كونه مجموعة متفلتة داخل التنظيم، وفي بعض المرات يكون حادثا فرديا جراء أجواء الكراهية والشحن العقائدي».ويعتبر عصمت أن أبرز خلفيات العنف هي أن معظم التنظيمات العقائدية أو غيرها تظل تُدار بواسطة مكاتب حزبية خارج الجامعة وليس كنشاط طلابي فقط. ويصف حكومة الإنقاذ بأنها تتعامل مع قطاع الطلاب باعتباره مهددا أمنيا محتملا و»لهذا يظل القرار الأمني متوغلا داخل مؤسسات التعليم العالي على كافة المستويات».وفي تقديره أن هذا الوضع يأتي بقيادات إدارية على مستوى الجامعات ترهن القرار التربوي لصالح التوجيهات الأمنية ويضيف: «التعيينات والإملاءات الأمنية، خاصة على مستوى عمادات شؤون الطلاب، جعلت من هؤلاء العمداء والعمادات مجرد ضباط أمن- إن لم يكونوا كذلك- وأدت لتوظيف عمادات الطلاب في المنحى الأمني عبر ملاحقة الطلاب الناشطين عبر لجان المحاسبة والتحقيق».وهو يرى أن فقدان الدور التربوي والتواصل بين الإدارات وعمداء شؤون الطلاب من جهة والطلاب من الجهة الأخرى هو سبب رئيسي لعدم القدرة على إطفاء الحرائق الصغيرة التي تنشأ في الجامعات. وفي تعليقه على تبديل الحرس الجامعي بقوات من الشرطة يقول، إن الشرطة تتعامل مع الوقائع التي أمامها وفق عقلية جريمة وجاني وبلاغ ومحاكمة، وهناك شحن سالب لأفراد الشرطة ضد الطلاب والطالبات.ويقول الناشط السياسي محمد الفكي سليمان وهو من كوادر الحزب الاتحادي المعارض: «حضرت فصولا مهمة من العنف الطلابي في الجامعات، وعلى الرغم من وجود أسباب متعددة إلا ان السبب الرئيسي هو رغبة الدولة في قولبة الطلاب في نموذج صممته بنفسها، لذلك كان الفضاء الطلابي هو المختبر الذي يجب أن تطبق فيه هذه المشروعات كونه يحتوي على خامة بشرية يمكن تشكيلها».ويضيف أن الحكومة كانت تندهش عندما يأتي صوت طلابي مغاير رافضا المشاركة في الحرب الأهلية التي حصدت خيرة شباب الوطن ثم انتهت إلى هذا الفشل الذي نراه، ويرجع ظهور عبارات مثل «الطابور» وهي تعني الخائن، لتلك التعبئة، حيث تم تغذية طلاب الحزب الحاكم بانهم حملة مشاعل الهداية، لذلك ظهر العنف لأن الجانب الآخر كان يدافع عن كيانه.ويعترف الفكي أنه كان يحمل سكينا طوال الوقت ويبرر ذلك بقوله: «لأنني كنت كادرا إعلاميا ووجها معروفا في الجانب الآخر للحزب الحاكم، وبالتالي عرضة للاستهداف المستمر من قبل كوادرهم الذين لا يتورعون عن ضرب أي من مخالفيهم في الرأي بصورة يومية. حملي للسكين سلوك لا يشبه الطلاب ولكن ماذا كان يجب علي ان أفعل حتى أحمي نفسي؟ وكثيرا ما كنت استخدم هذه السكين حتى أعبر مجموعات مسلحة بالعصي والسيخ».ويضيف الفكي أسبابا أخرى للعنف مثل إلغاء السكن والإعاشة ويقول: «هو أمر يظنه البعض بسيطا، إلا انه بالغ الخطر في بلد فقير مثل السودان، وفي ظل السياسات الاقتصادية التي اتبعتها حكومة المؤتمر الوطني أصبحت الجامعة فيها مجموعة من الطلاب تملك كل شيء من سيارات فارهة وملابس فاخرة وعطل مريحة وأطعمة لم يسمع بها 80 في المئة من زملائهم، وأغلبية لا تجد وجبة واحدة طول اليوم، وهذا وضع يجعل الطلاب أكثر استجابة للعنف بسبب الشعور بالظلم وفقدان الأمل».وبعد انتشار العنف في ساحات الجامعات، أعلنت وزارة الداخلية عام 2016 إنشاء إدارة شرطية متخصصة لتأمين الجامعات، وقوبل هذا القرار برفض من الطلاب والعديد من الأساتذة الذين أعلنوا أن دخول الشرطة للجامعات سيزيد من حدة التوتر، لكن آخرين أيّدوا الخطوة وطالبوا بتدريب هذه الشرطة من النواحي السلوكية للتعامل مع قطاع الطلاب وردت وزارة الداخلية على المتشككين أنها دربت 460 من حملة الشهادات الجامعية، فضلا عن 300 من المجندين.ولم يقف الطلاب مكتوفي الأيدي إزاء الدماء التي تسيل في مدرجات وساحات الجامعات، فنشأت العديد من المجموعات التي تسعى إلى إحتواء هذه الأحداث ومنها «مبادرة طلاب بلا عنف» وهي مبادرة شبابية وطلابية لإنهاء دائرة العنف داخل وخارج الجامعات السودانية وإحياء قيم التعايش السلمي بين كل مكوناتها ونبذ التعصب والقبلية.وقامت المبادرة بدراسة أوردت من خلالها تعدد مؤشرات تنامي العنف الطلابي في الجامعات وذلك من خلال كثافة العمليات والانتشار الجغرافي للعنف، إذ لم تعد ظاهرة العنف الطلابي مقتصرة على جامعات بعينها، بل طالت معظمها، إضافة للتطور النوعي للأدوات المستخدمة، حيث تم اللجوء في بعض الحالات إلى الأسلحة البيضاء والأعيرة النارية وتعددت أدوات وطرائق العنف، وتم تقسيم العنف في الجامعات إلى ثلاثة مستويات هي: العنف بين الطلاب وبعضهم والعنف بين الطلاب وإدارة الجامعة والاشتباكات التي وقعت بين الطلاب وقوات الأمن.وعلى مستوى السلطتين التنفيذية والتشريعية، بذلت جهود لمناقشة ظاهرة العنف داخل الجامعات، لكنها اتخذت مسارا واحدا هو تجريم الطلاب دون التطرق لعنف السلطات تجاههم. وطالبت البروفيسور سمية أبو كشوة وزيرة التعليم العالي، البرلمان- في وقت سابق- باجازة قوانين ضد حمل السلاح والعنف في الحرم الجامعي، مع مراقبة الطلاب بواسطة الكاميرات الإلكترونية وتطوير الحرس الجامعي، واكتفى نواب برلمانيون بالمطالبة بحظر النشاط السياسي في الجامعات ومحاكمة الطلاب الذين يتسببون في اتلاف الممتلكات العامة.!!

1