أحدث الأخبار
الخميس 25 نيسان/أبريل 2024
تدمر..سوريا : قصص من «باستيل الأسد»: سجن تدمر: الضابط يطلب خلع حجاب فتاة لتزور والدها وأم تنتظر ربع قرن لتشاهد ابنها ثم ترحل!!
25.05.2015

لتدمر ذاكرة ألم خالدة في وجدان السوريين، فسجنها الشهير كان وما زال رمز الاضطهاد الحالك، قصص تكاد لا تكتمل دون دموع أهالي السجناء المكلومين، المقهورين من سجانيهم ومعذبيهم لأربعة عقود ونيف. قبل 16 عاما كان الشاب الحمصي (ع. ل) يزور خاله المعتقل في تدمر المعتقل على خلفية انتمائه لجماعة الاخوان المسلمين في أحداث الثمانينات، يفتش في ذاكرته فلا يجد الا الندوب، ليخبرنا بروايته ويستحضر فيها جدته التي رحلت من ألم فراق ابنها لربع قرن، وفتاة طلب منها خلع حجابها في السجن لتحظى بزيارة أبيها.بعد اعتقال الخال، قامت جدته وأخواله برشوة ضابط كبير «أخذ المصاري وما رد خبر» هكذا كانت النتيجة، ولكنهم حاولوا مجددا ودفعوا رشوة لضابط آخر «كان ابن حلال وما بياكل حرام» فالتقوا بابنهم عام 1996 بعد سنوات على اعتقاله. يتابع (ع. ل) رواية قصته: «كنت آنذاك طفلا في العاشرة اصطحبتني أمي مع شقيقتي الكبرى لرؤية خالي، صمت مطبق خيم على الجالسين طيلة الطريق حتى الوصول إلى السجن… تلاه انتظار لمدة ثلاث ساعات في الشمس المحرقة عند البوابة الخارجيـــة، قبل أن يأتي أحد المجندين ومعه الضابـــــط المسؤول ليبلغـــنا بالاستعداد لزيارة السجين، كان لافتا طلب الضابط من إحدى الفتيات الصغيرات نزع حجابها اذا كانت تود الدخول إلى زيارة ابيها… لم تتردد الفتاة الصغيرة التي كانت مثلنا تريد رؤية أبيها بعد سنوات من اختفائه، نزعت حجابها بسرعة… لكن الضابط أطلق ضحكة قصيرة ثم طلب منها بغلظة العودة إلى حيث ينتظر السائق خارج السجن».يقول الشاب الحمصي انهم كانوا يحمدون الله ان تجاوزات الضباط توقفت عند هذا الحد، لأنه في كثير من الحالات وقعت تجاوزات اكثر إهانة، يتابع الحمصي وصف أوقات أليمة عاشها قبل سنوات مع جدته العجوز التي كانت تريد رؤية ابنها للمرة الاولى منذ اعتقاله، ويقول: «ساعة أو أكثر مضت ونحن ننتظر على بوابة مكتب أحد الضباط في الشمس الحارقة… كانت جدتي العجوز تتصبب عرقا وقد رفعت عن وجهها ملايتها السوداء، ووقفت تنقل ناظريها مع كل مجند أو ضابط يخرج من الغرفة تنتظر الفرج.وأخيرا اصطحبنا المجندون وضابط آخر إلى جناح الزيارة حيث وقفنا أمام غرفة مقسومة لقسمين بساتر حديدي من طبقتين، ثم خرج الخال، لا أذكر شيئا من تلك الدقائق المعدودة سوى أن الجميع كانوا يبكون… والدتي التي كانت دموعها تغطي وجهها كانت تمسك بيدي بقوة…. كنت أتلفت… أنظر إلى وجه جدتي التي كانت الكلمات تختنق على شفتيها وهي تتمتم «شلونك أمي …كيفك يا أمي …شلونك يا أمي» … بقية التفاصيل لا أذكرها لأنني بدوري انخرطت في موجة البكاء…. أقل من عشر دقائق انتهى اللقاء الحزين… لم تفوت جدتي الفرصة لتشكر الضابط وتدعو له بالصحة وطول العمر وتثني عليه وعلى «القيادة الحكيمة» التي مكنتها من رؤية ابنها المعتقل لأول مرة منذ سنوات في سجن المدينة الأثرية الجميلة تدمر».ولا ينسى الشاب الحمصي آثار تدمر التي كان لها من زيارتهم نصيب: «في طريق العودة توقفت السيارة قرب المنطقة الأثرية حيث كانت مجموعة من السواح تلتقط الصور وتتجول بانبهار، ولا زلت أذكر تعليقا لإحدى قريباتي يسخر من قدوم هؤلاء «السياح المغفلين» القادمين من أقاصي الأرض، وإلى أين ؟! إلى «تدمر» التي لا يعرف عنها أبناء البلد سوى سجنها الشهير بآثار من البشر قبل الحجر «أطلق سراح الرجل عام 2004، بعد ان انتظرته والدته لربع قرن، لكن كيف خرج من تدمر؟!يقول الشاب الحمصي: «كانت جدتي دائما تنتظر أخباره، وتنتظر نشرة أخبار المساء، قبل كل وقفة عيد ومع كل عيد من الأعياد الوطنية والقومية تتوقع الإفراج عنه… مرت أيام كثيرة وتم الافراج عن عدد من الناس، وبقي خالي، لاحقا نقلوه لسجن صيدنايا، بقي فترة وبعدها أفرج عنه عام 2004، كان شخصا غير مكتمل السلوك اجتماعيا، بقي فترة طويلة حتى تمت إعادة تأهيله، واستطاع الانخراط في الحياة الاجتماعية…. ومثله الكثير من المواطنين.
ويضيف لكن اللحظات الأصعب من قصة الخال الحمصي هي تلك التي تروي معاناة الوالدة، وسنوات الانتظار المرة، حيث يبدو العديد من روايات وقصص السجناء السياسيين العالمية متواضعة أمام عذابات ضحايا نظام الأسد في حمص وحماة، هناك حيث تستحيل المآسي واقعا، تعتصر ذاكرة الشاب الحمصي ألما وهو يلتقط لحظات لا تنسى من أيام جدته الأخيرة حين كادت ان تفقد عقلها حزنا، ويرويها بلهجته العامية قائلا: «جدتي ولأكثر من عشرة أعوام كانت تعيش على أمل إطلاق سراحه وهو ابنها الصغير… تتذكره في الأعياد…حتى عندما تحضر طبخات الشتاء… كانت تقطف الملوخية وتجففها وتقول: هذه حصة عبدالسلام، عندما يخرج من السجن سأعد طبخة منها… وتقول» ساحتفظ بها لعبدالسلام عندما يعود الينا ….حتى في البيت عندها كانت عندما ترى بنات في عمر الزواج، تتخيل انها ستخطب له إحداهن… تقريبا في آخر ايامها تحول الموضوع لهوس يحكم حياتها كلها، ويقول عموما بعدما تم الافراج عنه شافتو سنة أو أقل، يدوب شافته وبعدها بدات صحتها تدهور، وخلال اقل من سنة رحلت».ينهي الحمصي روايته، والدموع في عينيه، فلقد رحلت جدته بعد ان التقت بابنها الأول بعد غياب ربع قرن، لكنها لم تعد تحتمل انتظار ابنها الثاني .. فلقد كان لها ابن ثان ما زال معتقلا، لم يطلق سراحه حتى اليوم. انه باستيل الأسد… تدمر.!!


1