أحدث الأخبار
السبت 20 نيسان/أبريل 2024
ملكية الارض في النقب بين حقائق التاريخ وتزوير الصهيونية وباحثيها لها!!

بقلم :  د. عامر الهزيّل  ... 5.6.06

ملكية مقدمة:
يعيش اليوم في النقب 80,000 عربي في 46 قرية غير معترف بها، وسيصل عددهم في العام المحدد للتخطيط 2020 الى 200,000 نسمة. اكثرية هذه القرى الساحقة قائمة قبل العام 1948، ومن هنا فهي قائمة قبل وجود اسرائيل وسن قانون التنظيم والبناء عام 1965. ان تطبيق هذا القانون بصورة تعسفية وتراجعية على الواقع الذي سبق سنّه وقيام اسرائيل نفسها خلق مشكلة القرى وعشرات الآلاف من البشر غير المعترف بهم. لانّ باسم تطبيق هذا القانون تم منع اقامة سلطة محلية تؤمن الخدمات وتضم مناطق لمخططات هيكلية ومناطق نفوذ لتنظم مشكلة البناء من خلال منح تصاريح بناء واشراف بلدي. تظهر هذه الحقائق بوضوح ان البناء في القرى هو ليس بناء غير قانوني انما هو بناء بدون تصاريح بناء، وذلك لغياب السلطة المسؤولة عن اصدار مثل هذه التصاريح. يجدر الذكر هنا ان كل ما بحوزة عرب النقب فعلياً هو 350,000 دونم فقط من اراضيهم المسجلة في التسوية( 2,7% من النقب)، في حين يبلغ عددهم اليوم 160,000 ويمثلون 25% من سكان النقب، وسيصل في العام 2020 عددهم الى 320,000 مواطن ما يعادل 35% من سكان النقب. تبلغ مساحة النقب 13 مليون دونم وتبلغ النسبة المأهولة بالسكان منها اليوم 8% فقط. يسيطر أهل القرى فعلياً على 295,407 دونم من ارضهم المسجلة في التسوية، أي ما يعادل 2.3% من مساحة النقب، في الوقت الذي يشكل فيه سكان القرى اليوم 14.2% من سكان النقب.
لمن هذه الأرض؟!
خططت الصهيونية العالمية منذ انطلاقتها الاولى لقطع صلة الانسان الفلسطيني بالأرض مرددة مقولتها الشهيرة "ارض بلا شعب لشعب بلا ارض", وعلية لم تتستر المؤسسة الاسرائيلية على حقيقة استراتيجتها لقطع صلة العرب عامة واهل النقب خاصة مع الارض. هذه الحقيقة اكدها عاموس موكدي ,من دائرة اراضي اسرائيل, بقوله بصريح العبارة "ان هدف الدولة هو قطع الصلة بين البدو والارض التي يعيشون عليها."
انطلاقاً من هذه الحقيقة نستطيع فهم وادراك سبب عناد المؤسسة والبحث الاسرائيلي على اظهار عرب النقب كبدو رحل لاتربطهم اي علاقة بالارض, مع ان الصور الجوية التي اخذتها المساحة العسكرية البريطانية في مطلع عام 1945 تبين توزيعهم السكني الثابت, مقابرهم, مدارسهم ,حيث سكن بعضهم في قرى زراعية تصل بيوت الطين والحجر فيها الى ما فوق ال 15% من مجمل البيوت الثابته, كما كانت مدينة بئر السبع والعديد من القرى.
حقائق تدحض كل محاولة لتحليل الواقع التاريخي والاجتماعي لعرب النقب على اساس نظرية "رحل- وارض موات" كما هو متبع في البحث الاسرائيلي.
 صحيح هو ان بعض عربان النقب من اصحاب المواشي رحلوا للعزبة مع مواشيهم وقت الربيع بالاساس في محيط نفوذ ديرة القبيلة, ولكنهم عادوا دائماً الى قريتهم ومقرهم الثابت بعد نهاية العزبة, وهذا النمط من العيش موجود في فلسطين والمنطقة وفي دول اوروبية وعالمية كثيرة. كما هو صحيح ايضاً ان قرابة ال 10% من اهل النقب كانوا رحل واعتاشوا بالاساس على الرعي وتواجدوا في مناطق جنوبي كرنب وعسلوج وفي وادي العربه, ولكن بين هذه الحقيقة الموضوعية وتعميم البحث الاسرائيلي على ان جميع عرب النقب رحل وارضهم "موات" فرق هو الفرق بين الموضوعية العلمية وبين تزييف التاريخ باسم العلم لاهداف ايديلوجية.
حقائق تقودنا الى قلب الصراع على ملكية الارض بين اهل النقب ودولة اسرائيل التي سنت قانون الاراضي وفق رؤية توراتية مفادها ان هذه الارض عطاء الرب لامته المختارة, واذا كان للدولة وظيفة فهي "انقاذها" من ايدي العرب الغرباء لتغدو ارض القومية اليهودية التي لا تتسع ملكيتها ولا تعريفها لغير اليهودي اينما كان عليها او في كل بقعة من بقاع الارض عليها سبط تائه سيكتشفوا يهوديته بعد حين. وفقاً لذلك وانسجاما معه طورت اسرائيل مخطط تركيز اكبر عدد من العرب البدو على اصغر رقعة ارض وتوزيع اصغر عدد من اليهود على اكبر مساحة ارض. فكان لعرب النقب مدن البؤس والتركيز السبع, وبالمقابل لليهود مستوطنات يسكن اكثرها نفر قليل لا يتعدى العشرات, وفي الكثير من الاحيان تقام مستوطنة لنفر واحد مع 120 رأساً من الاغنام و ومزرعة كلاب على اكثر من 10الاف دونم مسيجة تحرم من عشبها المهدور اغنام اهلها الحقيقين التي تقسط اسرائيل عليهم مناطق الرعي بالقطارة.
هكذا كان وما زال الصراع على ملكية الارض في النقب صراع عقائديا ادعت فيه اسرائيل -وما زالت- ان اراضي النقب اراضي "موات" ولا توجد لهم عليها اي ملكية او وثيقة "طابوا", وذلك وفق القانون العثماني لعام 1858 والاعلان البريطاني لعام 1921. من هنا طلبت اسرائيل من كل مطالب بالملكية اثباتها بالطابو.
غير ان هذا المطلب الاسرائيلي معتمداً القانون العثماني والاعلان البريطاني المذكور اعلاه يفتقد الارضية القانونية والشرعية التاريخية, ليس بسبسب وجهة النظر الخاطئه السائدة القائلة بان عرب الجنوب لم يسجلوا اراضيهم "الملك" خوفا من الضرائب, وانما بسبب كون قانون الطابو المذكور اعلاة لم يطلب منهم ذلك, بل سن من اجل تسجيل وتنظيم الاراضي "الميرية" التابعة للدولة والتي انتقلت ملكيتها بعد فترة من استغلالها بشكل متواصل لمن يعتاش منها او يعيش عليها. بكلمات اخرى وخلافاً لما تدعيه الدولة,فان القانون العثماني نص بصريح العباره في بند مادة 2 من نفس القانون انه لا يسري على "اراضي الملك" مبين انها اربع هي: اراضي مساحة بيت, اراضي ملك عشرية, اراضي ملك خراجية واراضي ميرية انتقلت الى "رض ملك" قبل اعلان هذا القانون, هذا بالاظافة الى حقيقة اعلان السلطان العثماني عام 1862 على ان اراضي بر الشام (سوريا وفلسطين) هي في الاصل اراضي ملك عشرية وخراجية, الا انه بعد وفاة اصحاب البعض منها بدون ورثه رجعت "الرقبه" الملكية عليها الى بيت المال واصبحت اراض ميرية.
هذا الاعتراف الصريح بالملكية الفردية والجماعية اكدته الحكومة العثمانية في النقب بحدثين تاريخيين مهمين: الاول هو شراء الحكومة العثمانية 2000 دونم من مالكيها الشرعيين من قبيلة العزازمة لاقامة مدينة بئر السبع عليها عام 1900, وعليه فان مدينة بئر السبع المعاصرة شاهدة العصر على ملكية البدو لارضهم لانه لو كان زعم اسرائيل صحيح ان اراضي النقب "موات" وكانت تابعة للملكية العامه وللدولة العثمانية فهل كانت هناك حاجة للدولة انذاك شراء ارضها من العزازمة؟
الحدث الثاني هو نشر الحكومة العثمانية - في اخر ايامها عام 1917 خارطة تحدد فيها حدود ومنطقة نفوذ اراضي ملك القبائل والعشائر التي كانت ثمرة عملية حصر وتخريط وتحديد لهذه المناطق شرعت بها الدولة العثامنية منذ نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين. والجدير ذكره انه ليس صدفة ان تنشر الدولة العثمانية في اخر ايامها وفي نفس سنة اعلان وعد بالفور وقبله بشهور هذه الخارطة. لقد ادركت الدولة العثامنية في ايامها الأخيره بعد المؤامرة الدولية على فلسطين التي سرعان ما انجلت باحتلال بريطانيا لها واعلانها وعد بالفور لتوطين اليهود في فلسطين , وعد "من لايملك لمن لا يستحقه".
ابعد من ذلك, واذا ما اخذنا بنص القانون العثماني نفسه يتبين لنا ان قوانين الفقه والشريعة التي كانت سائدة قبل عام 1958 بقيت سارية المفعول على اراضي الملك بعد سن هذا القانون. وفقا لتلك القوانين تنتقل ملكية الارض في حالة بيعها بواسطة التعاقد الشخصي (السند الصك) بين البائع والمشتري او حسب الوراثه الشرعية الأمر الذي لم يشترط تسجيلها في الطابوا الا اذا كانت اراضي ميرية بعد سن القانون المذكور. وهذا كان الشاذ وليس القاعدة في النقب. مما يذكر ان لكثير من الأهل فاتورة ضريبة العشر عن اراضي الملك العشرية في النقب, تلك الضريبة التي استمروا في دفعها للبريطانيين. هذه الوثائق توجد في ملفات الحكومة البريطانية الخاصة بفلسطين.
ولأن مسألة الطابو (القوشان) غير واضحه للكثير نلخص هنا بعض بنود القانون العثماني الموضحة لما ذكرنا اعلاه.
بند 77- اذا ما وضع شخص ما يده على ارض مات صاحبها ومالكها ولم يعد له ورثة(اصبحت ارض ميري), دون ان يستأذن بذلك الدولة, وزرعها واكل منها لمدة اقل من عشر سنوات تسجل الارض باسمة بالطابو مقابل دفع ثمن الطابو (ما يعادل ثمن الارض في تلك الوقت).
بند 78- اذا ما وضع شخص ما يده على ارض ميري او موقوفة عشر سنوات متواصلة بدون منازع يمنح الطابو القوشان) عليها دون مقابل.
بند 81- من كان له ارض مسجلة في الطابو وزرع عليها شجرا وكروما وبيارات كملك له, وله اولاد ورثوا كل ذلك منه تأخذ الدولة منهم فقط ضريبة الورثة وتسلم هذه الارض للورثة بدون مقابل, كما تسجل قسم كل واحد في سجلات الدولة.
ارض النقب بين الانتداب البريطاني والحكم الاسرائيلي:
عينت سلطة الانتداب البريطاني عام 1920 هربرت صموئيل, اليهودي الصهيوني, مندوب سامي على فلسطين ويهودي اخر نورمان بنتويتش كسكرتير قانوني للحكومة , وتولى حاييم كالفاريسكي المنصب الرئيسي في هيئة تسوية الاراضي الحكومية , وهو مدير "شركة الاستعمار اليهودية", وكانو جميعا فعلا يخططون لاستعمار فلسطين كما يدل اسم الشركة نفسها, وذلك عبر تحويل ملكية الارض للحركة الصهيونية, مع هذا فلم يصدر من حكومة الانتداب اي قرار او قانون ينص على ان ان اراضي النقب المسكونة والمزروعة ارض موات,بل العكس هو الصحيح. لقد اكد تشرتشيل وزير المستعمرات انذاك في اجتماعه مع مشايخ البدو في القدس بتاريخ 29.3.1921 ,اكد لهم قرار الحكومة البريطانية الذي ابلغهم به صموئيل وهو ان "حقوق البدو الخاصة وقوانين العرف والعادة الساريه على ملكية الارض ستبقى كذلك من دون تدخل من جانب الحكومة البريطانية."
قانون "ارض الموات" الذي وضعه الانتداب عام 1921 يمنع اي شخص فلاحة اي ارض موات من دون اذن الانتداب, ومن كان يفلحها قبل ذلك علية ان يبلغ السلطات قبل 1 ايار 1921, الامر الذي لم يتجاوب معه العرب البدو ليس بسبب خوفهم من الحكومة البريطانية او لعدم سماعهم خلال هذه الفترة القصيره عن الاعلان, بل لانهم كانوا يدركون انهم لا يملكون ارض "موات" وان ارضهم ملك باقرارالحكومة البريطانية نفسها.
دليل اخر يثبت هذه الملكية جاء في تقرير "لجنة تسوية الاراضي" التي كونها المندوب السامي صموئيل ومن اهم اعضائها الصهيوني كالفاريستي, والذي صدر قي 31 ايار 1921 واقر ان هنالك 2,829,880 دونم مفتلحه وذلك بعد خصم المراعي واماكن السكن والطرق, مؤكداً انها تابعه لمناطق القبائل, الامر الذي يعني اظافة مساحتها لمجمل مناطق نفوذ اراضي الملك... في هذا السياق يفهم قانون الاراضي التي سنته بريطانيا عام 1940 والذي عين اراضي النقب اراضي (ا) ومنع الحركة الصهيونية واليهود تملك اي اراضي فيه.
منذ منتصف العشرينات للقرن المنصرم شرعت الحكومة البريطانية في مشروع "الكادستر" لتسجيل ملكية الارض في فلسطين. تسجيل الاراضي هذا بدأ بساحل فلسطين من غزة ومحيطها واتجه شمالاً حيث حالت احداث فلسطين - وبشكل خاص احداث منتصف الاربعينات- من وصول "الكادستر" البريطاني الى النقب بشكل منظم كباقي البلاد.
غير ان الشريحة الواعية من اهل النقب, والتي كان لها اتصال مكثف مع اهل المدينة في بئر السبع وغزة, ادركت اهمية "الكادستر" لتثبيت الملكية. لهذا ذهبوا الى غزة وقت التسجيل وسجلوا اراضيهم. الأمر الذي تجلى في تسجيل 15,39% من اراضي النقب بملكية عربيه وفقط 0,52% سجل بملكية يهوديه (اصغر مساحة ارض في فلسطين سيطر اليهود عليها قبل 1948) وكذلك سجل 0,02% كملكية عامة. معطيات تكشف النقاب عن حقيقتين:
الاولى: انه لو شمل"الكادستر" البريطاني النقب بشكل منظم ,كباقي مناطق فلسطين, لسجلت كل اراضي النقب ملك لأهلها كما سجل العرب واليهود ملكيتهم المذكور اعلاه وكما اقر تشرتشل والحكومة البريطانية بملكيتهم.
والثانية: انه في ظل اعتراف الجميع- بما فيهم الحكومة الاسرائيلية- ان سجل الأراضي البريطاني لم يشمل النقب بشكل منظم, فان القانون العثماني للاراضي,الذي اقر ملكية اهل النقب بالتوارث, والذي اخذت به اسرائيل حتى عام 1969 بشكل انتقائي, يبقى المرجعية القانونية لملكية الارض في النقب التي لم يشملها سجل الاراضي البريطاني.
على عكس ذلك اعتبرت الحكومات الاسرائيلية وخلفها البحث الاكاديمي والجهاز القضائي الاسرائيلي ان كل اراضي النقب "موات", الأمر الذي يعني انها ملك للدولة وذلك وفقاً لنص القانون العثماني: " ارض موات هي الاراضي الخالية وغير المفتلحة,واراضي الغاب والغير مسجلة بعقد ملكية وليست مخصصه منذ القدم لمجتمع او مرعى وتبعد عن اقرب قرية مسافة يسمع منه صوت عالي (مقدر ب 2850 متر)". هذا التعريف لا يتفق لا من قريب ولا من بعيد مع الحقائق التاريخية في النقب. الوثائق البريطانية تبين وبشكل واضح ان قرابة ال90% من عربان النقب اعتاشوا على الزراعة وعاشوا حياة ثابته, الأمر التي تضهره الخرائط البريطانية المسحية لمناطق النقب بشكل جلي وواضح, حيث تبين ان كل المنطقة السهلية في النقب حتى "كرنب" كانت تستغل للزراعة.
كما جاء في الوثيقة التي قدمها المندوب البريطاني لدى الأمم المتحدة بتاريخ 1.11.1947 الى اللجنة الخاصة بفلسطين التي شكلتها الجمعية العامة للامم المتحدة, ان سكن العرب يتركز بالاساس في المناطق حول بئر السبع حيث يتراوح المعدل السنوي لسقوط الامطار بين 200-300 ملم موقع القسم الاكبر من الارض المفلوحه. وحسب المصادر البحثية الموثوقة بلغت مساحة الارض التي فلحها اهل النقب في سنوات الخصب قرابة ال 5 مليون دونم. الأمر الذي يدعمه عارف العارف في الوثيقة التي قدمها الى لجنة التوفيق, حيث يؤكد على ان مساحة الارض المزروعه تصل الى 5,156,000 دونم.
اما من حيث سماع الصوت كدليل قانوني على ارض "موات", فلم تكن موجوده في الارض المأهولة والمزروعة دائرة قطرها 5,7 كم خالية من اي انسان. الصحيح هو ان اراضي القفر والمحسوبة "اموات" تقع جنوبي كرنب وحتى ام رشرش (ايلات اليوم).
ابعد من ذلك فان اي مقارنة بين الاراضي المستغلة اليوم من قبل اليهود وبين مساحة الارض التي فلحها العرب البدو قبل قيام اسرائيل, تبين ان مساحة الارض المستغلة في الزراعة في النقب من قبل اليهود اليوم لا تمثل اكثر من 20% من مساحة الارض التي زرعت وفلحت في النقب وقت الخصب قبل عام 1948. حقيقه تدحض مقولة الصهاينه "احياء بلاد القفر والخراب."
مع كل هذا اوجدت اسرائيل لنفسها شرعية نهب الارض التي تمت وتتم في مرحلتين رئيسيتين.
الاولى: بين عام 1948-1966 فترة الحكم العسكري وفترة الترنسفير الداخلي وحصار 11000 من تبقوا من اصل 100 الف نسمة عاشوا في النقب قبل النكبة واستمر التهجير لهم حتى عام 1959 ليكون اطول عملية طرد وتهجير مارستها اسرائيل ضد اهل فلسطين.
في عام 1953 سنت اسرائيل قانون الاراضي في اطار تاميم الاراضي العربية وخاصة من شرد وهجر اهلها لتسجلها باسم الدولة, حيث نص القانون على ان كل ارض لم يكن عليها اهلها في ابريل 1952 ستسجل باسم الدولة. هذا في وقت حرصت الحكومة الاسرائيلية على نقل الكثير ممن بقوا على ارضهم قبل هذا التاريخ بحجة ان الدولة تحتاج الارض لاغراض عسكرية , وما زالوا ينتظرون العودة. في هذه المرحلة سجلت باسم الدولة اراضي من شرد الى مخيمات اللاجئين وعددهم قرابة ال 90 الف نسمه, وكذلك 250 الف دونم لمن رحلتهم اسرائيل عن ارضهم الى مناطق اخرى في منطقة الاغلاق "السايق" التي ركز العرب البدو فيها بعد قيام اسرائيل وهي لا تمثل اكثر من 7% من ارض النقب ركزت اسرائيل الاستيطان اليهودي عليها لقضم اكبر مساحة منها مع التخطيط التركيزي للعرب.
بعد انجاز المرحلة الاولى عام 1966 ومع نهاية الحكم العسكري في هذا العام, بدأ العمل على تنفيذ المرحلة الثانية, وهي انجاز مخطط تركيز عرب النقب في مدن وفق استراتيجية تركيز اكبر عدد ممكن على اصغر رقعة ارض "لانقاذ ارض الميعاد من الغرباء" وتطبيق حلم بن غوريون في ان يكون النقب ارض احتياط اليهود اينما ومتى كانوا.
انسجاماً مع ذلك جاء قانون الاراضي لعام 1969 وفق الرؤية التوراتية "الارض لا تباع ولا تعطى لغير اليهودي الى الابد", حيث نص البند الاول "ارض اسرائيل وهي اراضي الدولة وسلطة التطوير او الكرنكيمت لا تنقل ملكيتها لا بالبيع ولا باي اسلوب اخر." كما نص القانون انه لا يمكن الغاء مصادرة الاراضي بحكم قانون 1953 الا اذا اثبت المدعي ان هنالك خطأ في سجل الاراضي او ان التسجيل لهذه الارض باسم الدولة تم بالخدعة, وهيهات الاثبات لمن يمثل الحاكم والجلاد. كما ابطل القانون نص القانون العثماني القائل ان وضع اليد يشكل مصدرا لحيازة ارض "موات", وبذلك منعت اسرائيل من البدو حتى الادعاء انه لو كانت ارضهم "موات" فانه وفق القانون العثماني يحق لهم تملكها بعد وضع اليد عليها واعمارها. هنا اوجدت الارضية القانونية لتسجيل اراضي النقب باسم الدولة كاراضي موات.
ولكي يتسنى لاسرائيل حصر مطالب عرب النقب من اجل تركيز هجمتها لانتزاع ما تبقى من ارض, اعلنت الدوله عن نيتها تسوية اراضي البدو. في استمارة التسجيل ذكر في البند الاول ان الدولة ستبدأ في تسوية حقوق اراضي منطقة بئر السبع ابتداء من ,1971/5/2 وفي البند الخامس ذكر ان الدولة نحذر كل من يهمه الامر بان اي حق في اي ارض لم يسجل في الفترة الزمنية المعلن عنها للتسوية فان موضف التسوية يستطيع اخراجة من قائمة مطالب ادعاء الحقوق على الارض. بكلمات اخرى من لم يسمع عن اعلان التسوية "راحت عليه".
وهذا الذي حصل لقطاع كبير من اهل النقب الذين لم يسمعوا عن اوامر التسوية هذه, واذا سمعوا لم يفهموا القصد منها, وعلية سجلت الدولة ارضهم باسمها, وبذلك حققت المكسب الاول من تكتيك الاعلان عن تسوية الاراضي في النقب.
وما ان انتهت الدولة من تسجيل 790 الف دونم من اصل مليون ونصف دونم طالب البدو بها حتى كشفت فليئا البيك, مديرة القسم المدني في وزارة القضاء, عن تفاصيل المؤامرة ونوايا الدولة. في منتصف السبعينات قدمت البيك اقتراح باسم الدولة مفادة ان يقبل البدو بحل يمنحهم %20 ارض من الارض المسجلة في التسوية وباقي ال %80 من الارض يعوض ب 2000 شاقل لكل دونم, الامر الذي اصبح قانونا في اواخر السبعينات اطلقوا عليه قانون السلام (نسبة لكامب ديفيد مصر) واطلق البدو عليه قانون الحرب عليهم. غير ان البيك اكدت ان على كل من يرفض ذلك اثبات ملكيته للارض في المحكمة, وهنا بالضبط "مربط الفرس" لكل تكتيك تسوية الاراضي.
هكذا ثبت مشروع تسوية الاراضي وضعية الارض القانونية كارض متنازع عليها بين المدعي والدولة وهيهات اثبات الحق مع دولة ولدت باللصوصية والعربده. الخطوات العمليه لم تتأخر حيث صادرت اسرائيل بعد المنتصف الاخير من السبعينيات اكثر من 160 الف دونم في ابو تلول وتل الملح والبحيره ومناطق اخرى, لتقيم على اراضي ابوتلول منطقة صناعية عسكرية وعلى اراضي تل الملح والبحيره مطار نبطيم في صفقة السلام مع مصر. ثمن سيدفعه عرب النقب في كل صفقة استسلام عربية اتيه.
من اجل الضغط على اهل النقب للركوع لشروطها اجرت الدولة بعض المحاكم , حيث حكمت المحكمة لصالح الدولة مؤكدة انه لا يوجد اي حق للبدو على الارض وفق القانون الاسرائيلي, معللة ذلك بانهم "بدو رحل" لا توجد لهم اي علاقة بالارض وان ارض النقب "ارض موات" كانت ملكيتها- دائماً- للدولة. لهذا السبب يعرف اهل الاراضي ان الحكم صادر مسبقاً ضدهم بحكم قانون الاراضي نفسه, وعليه امتنعوا عن الذهاب الى المحاكم.
للتصدي للموقف الجماهيري الرافض بادر شارون عام 2003 بخطته العصا والجزره لاقتلاع القرى ونهب ما تبقى من اراضي.
شملت الخطه البنود التاليه:
1. دعاوي ملكية وتسوية اراضي
- اجبار اصحاب الاراضي على المثول امام المحاكم وذلك بتقديم دائرة اراضي اسرائيل بواسطة موظف التسوية ووزارة القضاء دعاوي ملكية مضادة على الاراضي مقابل دعاوي عرب النقب.
- تكليف وزارة القضاء بالتعاون مع دائرة اراضي اسرائيل بترتيب كل الجوانب القضائية اللازمة للتنفيذ. قرارات التسوية والمحاكم تتم حسب قرارات الحكومة ودائرة اراضي اسرائيل. للتذكير قررت المحكمة عام 1984 ان لا ملكية لعرب النقب على ارضهم.
- تكليف المجالس الاقليمية رمات هنيقب وبني شمعون, بمهمة حفض الاراضي والدفاع عنها بواسطة عقود خاصة. يشمل هذا مناطق لا تتبع لنفوذها وهي اراضي القرى العربية وتعتبر مناطق بلا نفوذ سلطة محلية.
- من اجل التسريع في التنفيذ يتم تزويد وزارة القضاء والمحاكم بقوى عاملة مهنية ومختصه اظافية.
2. فرض حقوق الدولة على الاراضي وتطبيق قوانين التخطيط والبناء بخصوص البيوت.
- حكومة اسرائيل تعمل على تنفيذ قرارها رقم 2425 من تاريخ 4.8.2002 بخصوص تطبيق قوانين التخطيط والبناء,بمعنى تكثيف هدم البيوت.
- من اجل تنفيذ هذه المهام تقام وحدة شرطة خاصة تدعم من الوحدات الخاصة (الياسام) وكذلك توسع وتقوى الدوريات الخضراء.
3. اقامة البلدات الجديده التي تم الاعتراف بها مع التخطيط المسبق لتحويل بعضها الى مدن تركيز. الهدف اقتلاع اكثر من 30 قرية غير معترف بها.
4. من اجل البدء في التنفيذ الفوري رصدت الدولة ميزانية مقدارها 225 مليون شاقل وزعت على المؤسسات والوزارات التاليه:
وزارة القضاء,الدورية الخضراء, وزارة الامن الداخلي , دائرة اراضي اسرائيل ,وزارة البناء والاسكان, وزارة البنى القومية وغيرها.
5. جهاز التفعيل, المتابعة والرقابة
يتكون من طاقم متعدد الوزارات,على مستوى المديرين العامين وبرئاسة الوزير اهود اولمرت في حينه رئيس الحكومه اليوم. اولمرت كان صريحاً حينما تطرق الى اهداف الخطة بقوله:
"الهدف هو ترحيل القرى الموزعة وتركيزها في البلدات المخططه."
لتنفيذ الخطة عين الاطار الزمني حتى مده اقصاها 2007-2008.
في هذا السياق جاءت خطة مجلس الأمن القومي عام 2006 مشددة على تنفيذ الخطة اعلاه بوجوب تكثيف هدم البيوت المتزايد يوماً بعد يوم والاسراع في تنفيذ مخطط محاكم الارض. حتى اليوم دعي اكثر من 100 صاحب ارض الى المحاكم التي قاطعها الاكثرية الساحقة من الناس. صدر الحكم بحق 10 منهم وسجلت الدولة اكثر من 10,000 دونم تابعه للعرب باسمها والحبل على الجرار.
تلخيص:
الخطوات العملية الجارية في هذه الايام لنهب الارض في النقب تتركز على ثلاثة محاور يصب كل واحد في مصب الأخر بشكل منسق تديره مديرية التنسيق لتنفيذ خطة الحكومة والتي اسست خصيصاً لهذا الهدف. من بين هذه الخطوات العملية انتشار مكاتب محامين وشركات يهودية لشراء الاراضي العربية في النقب.
هذا التحرك ترافق مع محور اخر تقدم عليه المشروع الامريكي ـ الاسرائيلي للوساطة علي الارض والذي يشرف عليه البروفيسور لاري سيسكند الامريكي ومن معه من عرابي السمسرة في النقب. في هذا السياق فأن مهمة المشروع الامريكي للوساطة علي الارض تتمثل في تجهيز وطبخ الطبخة لتأتي بعدها الشركات لدفع المال الممول من مصادر امريكية وفقاً لمكتوب الضمانات الذي سلمه بوش لشارون واكد فيه التزام امريكا بحق اسرائيل الكامل بتطوير النقب والذي لا تفهمه اسرائيل بدون تصفية اراضي البدو. الخلفية الموجهه لهذا التحرك نجدها في رأي الخبراء الصهاينة والمتصهينين من ابناء جلدتنا الذين يدعون ان حل قضية الارض في النقب تكمن في المبلغ الذي يدفع للشراء. وفقاً لذلك يتدفق اليوم رأس المال الامريكي لدعم شركات السمسرة، وبعض الجمعيات المأجورة التي تتلخص وظيفتها بشرعنة التحرك بدعم وتقوية رموزه في النقب. توجه يصب في مصب مخطط اسرائيل لزيادة عدد سكان النقب ليصبح اكثر مليون نسمة بعد عشر سنوات. ولا غرابة والامر هكذا ان يشرف مجلس الامن القومي بنفسه وبشكل مباشر علي اعداد الخطط بكل ما يتعلق بعرب النقب. شمعون بيريس نائب رئيس الحكومة ووزير تهويد النقب والجليل، لا يخفي الدور الامريكي وعلاقته بالنقب بقوله: ان هذا الموضوع هو محور زياراته للولايات المتحدة، حيث ان الرئيس الامريكي بوش يهتم بالموضوع ويساعد في قضية النقب ... سنقول للامريكان اننا لسنا حكومة اخلاء وانما ايضاً حكومة بناء .
المحور الثالث مرتبط بالمحورين الاخرين ويتمثل في المحاكم الدائرة ضد اصحاب الاراضي ضمن سياسة قديمة جديده تريد اسرائيل على هذه الجبهة فرض الحل على العرب وتضعهم بين خيارين اما قبول شروط التسوية المعروضة او عدم قبولها وفي تلك الحالتين تعطي نفسها الشرعية القانونية لنهب الاراضي.
في اجواء بلبلة المواقف بين اهلنا، من هو مع استمرار مقاطعة المحاكم المفروضه على الناس وبين من هو مع نهج المقاومة المدنية بما فيها خوض معركة المحاكم بكل صلابة ومع افضل طواقم المحامين والمهنيين الملتزمين حتى العصيان المدني المتمثل بأقامة محكمة العدل البديلة للاراضي في النقب، في هذه الاجواء تحاول قوي الظلام منهم من ابناء جلدتنا، اختراقنا باسلوب اقناع الناس بتلبية دعوة دائرة اراضي اسرائيل بالمثول في مكاتبها لتصطاده الشبكة. هناك ينتظره محامون من دائرة اراضي اسرائيل، او يوجه لهم، يعرضون عليه شروط التسوية. اذا رفض ذلك يحول للمحكمة، حينها يقولون له السماسرة لا فائدة من دفاعك في المحكمة ... الدولة ستسجل الارض باسمها، ما زال باستطاعتنا مساعدتك بشرط قبولك للحل المعروض.
في ظل هذه الظروف ترصد مديرية البدو (دولة البدو داخل دولة اسرائيل) في اطار ميزانية 2005-2006، الميزانيات الضخمه لتنفيذ مخططها لعام 2006 والمتمثل في الخطوات
التالية:
1 ـ تمويل تقديم 100 صاحب ارض للمحكمة والقرار صادر سلفاً ضد صاحب الارض.
2 ـ ترحيل 200 عائلة من القري الى مدينة رهط.
3 ـ ترحيل 140 عائلة الي اللقية.
4 ـ ترحيل 80 عائلة الى بير هداج.
5 ـ ترحيل 80 عائلة الى ام متنان.
6 ـ ترحيل 100 عائلة ابو القيعان من عتير ـ ام الحيران الى حوره.
7 ـ التخطيط لشراء قرابة 11.000 دونم خاصة في محيط البلدات السبع لترحيل الناس اليها.
يا سادتي:
في بعض الاحيان قد يكرر التاريخ نفسه بشكل مأساوي او هزلي وفي كلتا الحالتين العبرة لمن يعتبر. في بداية الثلاثينات تأسست جمعية البدو العربية ووضعت من بين اهدافها المركزية منع بيع الاراضي وملاحقة سماسرة الارض وخاصة السماسرة الذين يسكنون مدينتي غزة ويافا.
في عام 1932 نظمت هذه الجمعية مع المناضلين الاشاوس من شيوخ العشائر ومخاتير قري النقب مؤتمر وادي الشريعة، والذي حضره الحاج امين الحسيني. في هذا المؤتمر تعاهدوا المشاركين علي السيف والمصحف في الدفاع عن ارض النقب واتخذوا ثلاثة قرارات قالوا فيها:
لقد اجتمعنا، شيوخ ومخاتير عرب النقب، ووقعنا على ما يلي:
1 ـ كل شخص من عرب النقب يبيع ارضه، او يتعاون او يتوسط في بيع ارض عربية ... او في أي عملية تمس الارض العربية، يعتبر ذلك الشخص مهدوراً دمه.
2 ـ اذا حصل وقام شخص ببيع ارض، يعتبر خائناً ومطروداً، واذا قتل نتيجة لذلك لا تدفع لأهله الدية.
3 ـ يهب الجميع للدفاع عن الاراضي وحمايتها، والمساهمة في كل مصاريف مادية تحتاج لذلك.
والنتيجة أقل نسبة اراضي بيعت في فلسطين، قبل 1948، كانت في النقب. ظروف مؤتمر الشريعة كانت وبقيت، وعليه ووفقاً لمنطق تواصل القيادة على هذه الجبهة فأن هذه القرارات تبقي سارية ما لم يأت مؤتمر آخر يلغيها ... كلام واضح ننصف فيه من حمل الراية من اجدادنا وسلمها امانة وقلادة في اعناقنا.
والعبرة لمن يعتبر من التاريخ والغلبة لمن يدرك ان المعرفة قوة والزمن سيف ان لم تقطعه قطعك في عالم لا مكان للمتخلف عن ركبه والضعيف فيه.

اكاديمي فلسطيني من النقب يختص في العلاقات الدولية والتخطيط الاستراتيجي.