أحدث الأخبار
الأربعاء 24 نيسان/أبريل 2024
يوم الأرض على أرض واقعنا!!

بقلم : د.شكري الهزيل ... 30.3.06

بدايةً تحياتنا لكم أين ما كُنتم وأين ما تواجدتم في أرضكم ومهجركم, والحقيقة أننا ومُنذ أكثر من نصف قرن نعيد نفس الأسئلة ومن ثم نلوكها مرةً أخرى.. من نحن.. وهل نحن "مواطنو" دولة أو دولة "المواطنين" أو عرب الـ48 أو عرب إسرائيل؟ وهنالك كمٌّ هائل من الأسئلة حول "أدبيات" المساواة في الحقوق وظواهر كُثر أبرزتها عقود من الإحلال والتضليل والتجهيل والانتهازية الذاتية وخليط من "الخطوط والاتجاهات" السياسية التي يتغذى أكثرها على لَوك وهضم الشعارات الهادفة إلى إيجاد أكبر عدد من المُهللين لشيخ "قبيلةٍ" عصريّ يجمع الناس حوله حتى يصل إلى أقصى "القمة".. عضو برلمان "عربي إسرائيلي"... رئيس "حزب"...مُناضل من أجل "الحقوق والمساواة".. نحن "نطالب الحكومة ببحث ظاهرة الفقر في القطاع العربي"!, نحن نُطالب بوقف هدم البيوت ومُصادرة الأرض!!...نحن لم نصوت "لصالح الحكومة" والاحزاب الصهيونيه!!.. نحن ونحن "مواطنون" أو "شبه مواطنين",..... نحن يا سيداتي وسادتي لا هذا ولا ذاك, ولا مواطنين ولا شبه مواطنين، لا بل نحن ضحية الضحايا التي عانت وما زالت تُعاني من تسُونامي إسرائيل ومُشتقاتها من بين ظهرانينا,...... نحن رهائن تُراهِن ويُراهَن عليها وتعيش في صُلب وطنها سجينةً ورهينةً مخطوفةً منذ أكثر من قرن، وأخطأ من أٍرّخ تاريخ "ميلادكم" بالرقم 48 أو رقم الـ 67 أو ما شابه هذا من أرقام عابرة في سجلات دولة إسرائيل التي لم ترَ فينا وفي وجودنا سوى حقل تجارب لسياسة الإحلال والاستيطان والمصادرة والتغريب و"الأسرلة" من جهة، وسوى بشر عاشوا ويعيشون على أطراف وهامش جُغرافيا "دولة الأسياد" المدعومة بطابو "أسطورة الألفي عام" من جهة ثانية. .. وبالتالي ما جرى ويجري ضمن رحلة النصف قرن ونيف أننا شاركنا أو أُشركنا في عُرس "ديموقراطية إسرائيل" قسراً وطوعاً وجهلا، بحقيقة أن أهل العُرس يَرون فينا وَلائم لعُرسهم مهمّتها التقاط فتات" ديموقراطية السيد" بعد أن يشبع نَهشاً في مُقومات وجودنا.. الأرض... الإنسان.. الدين... الحضارة.. الهوية الوطنية.. الاقتصاد.. وحتى حجب الهواء والشمس والماء عن قُرانا ومُدننا المُحاطَة بمستوطنات "الأسياد"!.
تحل في هذه الأيام الذكرى الـ 30 ليوم الأرض الذي كانت انطلاقته الأولى عام 1976 احتجاجاً على مصادرة الأراضي العربية ومشروع كينغ الداعي إلى تكثيف الاستيطان اليهودي في مناطق التواجد العربي في الجليل من خلال مُصادرة الأراضي العربية وبناء المستوطنات اليهودية, ولكن مشروع كينغ لم يكن الوحيد الذي استهدف الوجود العربي والأراضي العربية، لا بل سبق هذا المشروع (كينغ) مشروع توطين عرب النقب والاستيلاء على أراضيهم والذي ما زال مُستمراً حتى يومنا هذا, ومن ثُم جاءت خطة النجوم السبعة لعام 1990 بهدف تهويد المثلث العربي ومناطق وادي عارة, وجاءت خطط وتوصيات إسرائيلية كثيرة لا تُعد ولا تُحصى بهدف الاستيلاء على ما تبقى من أراضٍ عربية في الجليل والمثلث والمركز والنقب، نَذكُر منها وثيقة مؤتمر هرتسيليا لعام 2000 الداعية إلى تكثيف الاستيطان اليهودي في مناطق التواجد العربي, وأخيراً جاءت خطة تهويد النقب والجليل لعام 2005 التي رصدت لها الحكومة الإسرائيلية مليارات من الدولارات بهدف الاستيلاء الكامل على ما تبقى من أراضٍ عربية في النقب والجليل خاصة ومناطق التواجد العربي بشكل عام.
كان وما زال قدرُنا جميعاً أن نولد ونعيش في بحر من الظلم والاضطهاد الإسرائيلي, حين ضاعت الدار والديار ومعالم وُجودنا الجغرافي في غفلة زمن ما زالت تنساب وتتعاقب فيه جولات الظلم والمصادرة منذ عام 1948 وحتى يومنا هذا, ولكن وبالرغم من الرهان الصهيوني على دثرنا وزوالنا بالكامل من الأرض, وتعاقُب جولات سياسة مَحو معالم وجودنا!!, بالرغم من هذا كله ما زال الصراع دائراً بين الحق والباطل على أرض النقب والجليل والمثلث والشعب الفلسطيني ككل الذي دفع وما زال يدفع ثمناً باهظاً بسبب سياسة الاجتثاث والتهويد التي تُمارسها إسرائيل بكل أشكال العنجهية والهمجية في دولةٍ تدّعي زوراً أنها دولة ديموقراطية!.
منذ أمدٍ دخل الكثيرون من بيننا في مُهاترةٍ مع التاريخ والواقع, وحاول البعض عَقلَنَة "الوهم والسراب" وتدجين التاريخ والاجيال تحت مُصوغات وحجج الواقع ومستوردات "البراغماتية والعقلانية", ومحاولة نرجَسة الأمور وتثبيت الباطل ونفي الحق، حتى أصبحنا نُكيل جوهر قضايانا بِألف مكيال (نُكران الضحية وتنكّرها لواقعها),.. تارةً نجلد ذاتنا الطيبة والصادقة بسوط "ديموقراطية الفتات" وبنعوت "التزمّت والتطرف"، وأخرى نصطف في الطابور ننتظر دورنا في التصويت والترشيح والطرب على نغمات أوتار "ديموقراطية" مُقطَّعَه, والرقص على حبال تشد الطوق على رقابنا عاماً بعد عام، إلى درجة محاولة إفراغنا من إنسانيتنا وقيمنا الحضارية, وهكذا وعلى هذا النحو سنحتاج بعد حين ليس فقط لـ"تأشيرة" مكوث (مواطنة الوهم) لا بل لتصريحٍ وفتوى حتى تتمكن من مد العون والإغاثة لأخيك ابن أمك وأبيك، ناهيك عن جُرم الدفاع عن بيتك الذي يُهدَم وأرضك التي تُجرف وتُحرث وتُصادَر تحت حجة "منع الاستيلاء على أراضي الدولة", وسُخرية التاريخ تكمن هنا صارِخةً في أن الغاصب والغازي يتهم الأهل الأرض العرب في النقب بأنهم "غُزاة"!!... من غَزى من؟؟ ومن وَطَّن من قسرياً ونهب الأرض والديار؟...الجواب: يُجيب عنه واقع عرب النقب الذين تُطاردهُم "ديمواقراطية" إسرائيل في عُقر أراضيهم وديارهم الأصلية!.
قد يقول قائل إن نصف الكأس أو رُبعه أفضل من لا شيء!!!! أو رائحة الشيء ولا عدمِه, ولكن للأسف بِتنا موضوعياً وعملياً لا نملك لا الكأس ولا نصفه ولا الشيء ولا عدمه, ولا نملك القفل ولا المفتاح، ولا حتى رَسَن واقعنا الذي ضاعت مُقوماته بين طيات وملفات "ديموقراطية" إسرائيل التي تلفّ وتدُور حول الموقع الذي تشتَمّ فيه رائحة العربي!, ومن ثم تسلك طريقاً التفافية إلى مواقع "الأسياد", ولكن إذا تعلق الأمر برفاهية وراحة مواقع "الأسياد" تَضيق الدنيا والأرض بـ"ديموقراطية" إسرائيل وتأبى أن لا تمرّ ببلدوزوراتِها وجحافلها إلا من خلال الأراضي والبيوت العربية التي تلتهمها "الديموقراطية" في طريقها حتى تُوفر الراحة و"السيادة" الكاملة لأهل "الأرض الأصليين" مالِكي طابو "الألفي عام" وأصحاب الحق في إزاحة ودَثر "مواطني دولة ديموقراطية" لا ترى فيهم سوى عقبه أمام مشروعها الإحلالي الهادف ليس فقط للاستيلاء على الأرض، لا بل فرض وضعيّة اللاجئ على العربي الذي يجب عليه أن يتسول ويتوسل "ديموقراطياً" البقاء في وطنه وأرضه والعيش على هامش فتات "الديموقراطية" الإسرائيلية!.
من المُهم القول إن الزمن سيستمر في الانسياب والتعاقُب, وستتعاقب الأجيال, وستبقى الأرض مركز وجوهر الصراع بين سياسة الإحلال والإقصاء التي تمارسها إسرائيل، وبين الأجيال العربية المُتعاقبة, وبالتالي لا بد للجميع أن يَتزَمنُوا الزمان ويتمكنُوا المكان وألا يساوموا على وجودهم بالإغراءات المادية وغيرها، مع التأكيد على حتمية بزوغ فجر العدل ليدحض ظلم سلب الإنسان أرضه ودياره!.
الأرض ثُم الأرض.. وستبقى الأرض وفيةً لأهلها إذا صانوا وجودها في الوجدان والكيان الإنساني والحضاري!.