أحدث الأخبار
الخميس 25 نيسان/أبريل 2024
11026 1027 1028 1029 1030 1031 10321310
محقق في الشرطة العسكرية السورية شاهد على تصفية النظام للمنشقين ينتهي به المطاف موظف فندق في تركيا!!
09.07.2015

على ضفاف إحدى البحيرات المتشكلة من ذوبان الثلوج في ولاية طرابزون التركية، يعمل «وسيم» بتفان وابتسامة لا تفارق محياه، بملامحه العربية القوية ورأس قد بدأ يغزوه الشيب لرجل في أوائل الأربعينات. وسيم الذي يعمل في الوقت الحالي في نزل ومطعم للسياح حول مدينة طرابزون التركية، استطاع أن يحرز رضا رب العمل التركي، بسبب تفانيه في عمله على الرغم من قلة الأجر الذي يحصل عليه مقارنة بنظرائه من العمال الأتراك، ولكن إتقانه للعربية في منطقة تعج بالسياح العرب، جعلت صاحب العمل يحرص على استمراره، رغم عدم حصوله على ترخيص عمل رسمي من السلطات التركية، بل إن رب عمله التركي وبسبب قدرة وسيم على كسب ود زبائن المطعم والموتيل ومرتاديه ، ما انعكس إيجابيا على التقييم الذي يضعونه للموتيل على موقع «بوكينغ» العالمي للحجوزات، ما حدا بصاحب الموتيل بمكافئته بالسماح له بدعوة عائلته من المخيمات للإقامة معه في إحدى الموتيلات التابعة لمكان عمله، وذلك خلال شهر رمضان.الرحلة التي قطعها وسيم حتى انتهى به المطاف إلى موظف فندقي في إحدى قمم الجبال في تركيا تكاد تشابه الخيال، وفي لقاء لـ»القدس العربي» معه يقول وسيم: أنا ابن ضابط من دير الزور من مدينة الموحسن، وكنت أعمل محققا في الشرطة العسكرية في حلب، وإثر اندلاع الثورة السورية سمح لي عملي بالإطلاع على كثير من الخبايا المتعلقة بتصفية الضباط المنشقين سواء عن طريق الإعدامات الميدانية أو تحت التعذيب، حيث كان يتم اقتياد المجندين أو الضباط المشتبه برغبتهم بالانشقاق إلى التحقيق في الشرطة العسكرية، وكنت وبحكم طبيعة عملي مسؤولا مع قاضي التحقيق عن التحقيق معهم في بدايات الثورة، كان يتم استدعاؤنا عند حدوث حالة وفاة لأحد العسكريين، وبالطبع وبسبب خبرتي الطويلة كنت أستطيع أن أتأكد أنهم عندما يدعون أنها وفاة بذبحة صدرية، في الحقيقة تكون الضحية قد ماتت تحت التعذيب.يتحدث وسيم عن إحدى أهم الحالات التي صادفته أثناء الأشهر التي بقي فيها يعمل كمحقق تحت سلطة نظام بشار الأسد، فيقول: أحضروا لنا جثة لطيار كان يخدم في درعا، وقالوا أنه كان في جولة ميدانية حول المطار، فقام «الإرهابيون» بإطلاق النار عليه، لم تكن القصة منطقية أبدا، ولا يمكنني كمحقق أن أصدقها، فلماذا سيستهدفه الإرهابيون وحده وقد كان في جولة ميدانية مع أربعة أو خمسة عناصر، دون أن يصاب أحد منهم غيره بأي أذى، ثم إن الرصاصة التي كانت في جسده واضح أنها كانت من مسافة قريبة جدا، والمفترض أن الإرهابيين كما يدعون قد استهدفوه من مكان بعيد، وكل رصاصة تترك أثرا مختلفا تماما عن الأخرى، وبالرغم من كل ذلك كنت مضطرا للمصادقة على التقرير المصدر لي من سلطة أعلى، وإلا كنت سألقى مصير الطيار السني. يتابع وسيم بالقول: وصلت إلى نقطة حرجة جدا في عملي، فاستمراري بالعمل مع النظام يجعلني مستهدفا من قبل الثوار، بالرغم من أن شخصا متعاونا من قلب النظام مع الثوار قد يخدم الثورة والناس أكثر بكثير من ضابط منشق، ولكن الاستمرار أصبح خطرا جدا علي من قبل النظام والثوار، وفي النهاية فأنا عسكري سني ولا أساوي أي شيء أمام مجند علوي، ولا أستطيع أن أوقف آلة القتل، لذلك كان قرار الانشقاق حتميا، كنت على صلة بثوار جبل الزاوية الذين سهلوا لي مهمة الانشقاق، وأمنوا لي الخروج الآمن، بقيت في جبل الزاوية لعدة أشهر مارست فيها نشاطات متعددة، ثم استطعت الانتقال إلى مدينتي الأم دير الزور وبقيت فيها لفترة من الزمن حتى دخل تنظيم الدولة إلى المنطقة، فاضطررت للمغادرة نهائيا هذه المرة باتجاه تركيا، حيث انتهى بي المطاف أنا وعائلتي في خيمة بأحد المخيمات في مدينة أورفة التركية.مالم يخطر ببال وسيم أن ما كان يمارسه من عمل بعد انتهاء عمله العسكري مع النظام في الشرطة العسكرية، سيكون سببا،ليجد عملا مناسبا في تركيا، ويتابع وسيم حديثه بالقول: كنت بحاجة لعمل إضافي بعد دوامي لتغطية مصاريف عائلتي، فساهمت في تأسيس طواقم العمل في بعض المطاعم والمقاهي المعروفة في مدينة حلب، هذه الخبرة التي اكتسبتها في العمل الفندقي وفي العمل في المطاعم، ساعدتني في الحصول على عمل براتب مقبول في منطقة من أجمل مناطق العالم حول طرابزون التركية، التي هي قطعة من الجنة على الأرض. ويختتم وسيم حديثه بالقول: «بالرغم من مرارة الظروف التي عشناها جميعا، ورغم أنه لم تسلم عائلة من ظلم النظام ولعنة الحرب والتشرد واللجوء، إلا أنني عاهدت نفسي أن أنظر إلى حياتي دوما بصورة إيجابية، وأنظر إلى الجانب المملوء من الكأس، إلى النعم التي أعطانيها الله، فأنا اليوم يُدفع لي المال لأعمل وأبقى في هذه المنطقة السياحية الخلابة، في حين يدفع الآلاف الأموال ليأتوا إليها».!!